قوله:{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} أي يجأرون على الله بالصراخ العالي ،مستغيثين يطلبون الرحمة والتخفيف من فظاعة الويل والتحريق ،قائلين:{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} ينادون ربهم سائلينه إخراجهم من النار وإرجاعهم إلى الدنيا ليعملوا غير ما عملوه من الشرك والمعاصي في السابق بل يفيئون إلى الإيمان وعمل الصالحات لكن هذه الاستغاثة وذلكم الصياح لا يغنيهم من العذاب شيئا ،فإنهم في النار لابثون ماكثون ويقال لهم:{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} وذلك توبيخ من الله لهم .فقد جعل لهم من العمر في الدنيا ما يكفي للإيمان والتذكر والإنابة وعمل الصالحات لكنهم فرّطوا فيما جعل الله لهم من العمر .والمعنى: أو لم نجعل لكم أعمارا في الدنيا لو انتفعتم فيها بعبادة الله لنجوتم .
وقد اختلفوا في مقدار العمر المراد هنا .فقد قيل: إنه أربعون سنة وهي رواية عن ابن عباس .وفي رواية عنه أخرى وهي أصح ،على أن المراد ستون سنة .وفي ذلك روى الإمام أحمد عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لقد أعذر الله تعالى إلى عبدٍ أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة .لقد أعذر الله تعالى إليه ،لقد أعذر اللهُ تعالى إليه "وروى البخاري كذلك عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أعذر الله عز وجل إلى امرئ أخَّر عمره حتى بلغ ستين سنة "وأعذر إليه معناه ،بلغ به أقصى العذر .ومنه قولهم: قد أعذر من أنذر .والمعنى: أن من عمَّره الله ستين سنة أو سبعين لم يبق له عذر .
قوله:{وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} النذير معناه الإنذار ،وهو الرسول صلى الله عليه وسلم فهو المنذر المبلغ الأمين .وقيل: المراد به الشيب .والأول أظهر قوله:{هذا نذير من النذر الأولى} .
قوله:{فذوقوا} أي اصلوا نار جهنم{فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} أي ليس لهم من مغيث ولا معين يجيرهم من النار أو يخفف عنهم ما هم فيه من سوء العذاب{[3876]} .