قوله:{لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} أي لا يستقيم للشمس ولا يتسهَّل لها ولا يصح أن تلحق القمر فتجتمع معه في وقت واحد ،أو تُداخله في مجاله وسلطانه فتطمس نوره ؛فإن كل واحد منهما له سلطان على حياله فسلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل .
قوله:{وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} لا يسبق الليلُ النهارَ .ويُفهم من ذلك أن الليل مسبوق وليس سابقا .وقيل المراد من الليل هنا سلطان الليل وهو القمر وهو لا يستبق الشمس بالحركة اليومية السريعة ،ويُفهم أيضا أنه لا فترة بين الليل والنهار بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخ .فهما مسخران ،دائبين إلى قيام الساعة وحينئذ تفضي الكائنات والأجرام وسائر الخلائق إلى نهايتها المحتومة وهي الفناء والانهيار أو الانقلاب الكوني الشامل .
قوله:{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}{وكلّ} ،أي وكلهم .والتنوين عوض المضاف إليه .والضمير للشموس والأقمار .فإن اختلاف الأحوال يوجب تعددا في الذات .أو للكواكب ،أو الليل والنهار والشمس والقمر ،فكلهم{فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} أي يسيرون أو يدورون في فلك السماء .وهو مدار النجوم وجمعه أفلاك .والفلك من كل شيء: مستداره ومعظمه .وتفلَّكَ أي استدار .ومنه فَلْكةُ المغزل{[3908]} قال ابن عباس وغيره من السلف: كل يدور في فلِكةٍ كفلكة المغزل{[3909]} .
هذه دلائل ظاهرة وآيات بينات تشهد بأن هذا القرآن حق وأنه معجز فلا يقوى على معارضته بشر .وهو بما حواه من مثل هذه الحقائق الكونية التي ما كانت الأذهان في غابر الأزمان لتتصورها – يكشف إعجازه البالغ وعن سمو مستواه الرفيع الذي يفوق الأزمان والأذهان والأحوال .إن هذه الآيات العظيمة التي تتجلى فيها مَزِيَّة الجِدّةِ والنضارة والنصوع وانتفاء البِلى والخُلوق حتى لكأنما أُنزلت الساعة – لهي دليل مجلجل على أن القرآن منزل من لدن إله مقتدر حكيم .