/م33
المفردات:
في فلك: الفلك هو المدار الذي يدور فيه الكوكب ،سمي به لاستدارته كفلكة المغزل .
يسبحون: يسيرون ويدورون بانبساط وسهولة .
التفسير:
40{لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} .
للشمس مدار تسبح وتجري فيه ،وللقمر مدار بعيد جدا عن مدار الشمس يسبح فيه ،وللأرض حركة حول نفسها ،وحركة حول الشمس ،ولكل من الشمس والقمر والأرض مجال خاص بكل واحد منها ،فهو يجري ويسبح ،وخلفه سائر مجموعته ،بسرعة هائلة ،وتقدير عظيم ،بحيث لا يصطدم أي كوكب بالآخر ،ولا يتوانى أي كوكب عن حركته ،فللشمس مجالها ،وللقمر مجاله ،وللأرض مجالها ،ولليل مجاله ،وللنهار مجاله .
ولا يتسنى للشمس أن تظهر ليلا فتطمس نور القمر ،أو تنير الليل ،ولا يتسنى لليل أن يتقدم عن موعده ليطمس نور النهار ،بل هما جديدان متتابعان ،يعقب النهار الليل ويعقب الليل النهار ،بدون تخلّف أو تأخر ،أو اضطراب أو اصطدام ،لأن القدرة الإلهية هي التي تحرّك هذا الكون بكل ما فيه .
جاء في هامش المنتخب في تفسير القرآن الكريم:
وصفوة القول أن الآية الكريمة تنص على أن الشمس تجري لمستقر لها ،ولم يتعرف على معانيها العلماء إلا في أوائل القرن الرابع عشر الهجري ،ولا يمكن أن تدرك الشمس القمر ،لأن كلا منهما يجري في أفلاك متوازية ،فيستحيل أن يتقابلا ،كما يستحيل أن يسبق الليل النهار ،حيث يتطلب ذلك أن تدور الأرض حول محورها من الشرق إلى الغرب ،بدلا من اتجاهها الحالي من الغرب نحو الشرق ،والقمر خلال دورته حول الأرض ،ودورة الأرض حول الشمس يمر بمجموعات من النجوم تسمّى بمنازل القمر ،وفي الربعين الأول والأخير من الشهر ،يظهر القمر كالعرجون القديم ،أي: يصير كالسباطة إذا قدمت ويبست واعوجت15 .
وجاء في ظلال القرآن ما يأتي:
{لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} .
ولكل نجم أو كوكب فلك ،أو مدار ،لا يتجاوزه في جريانه أو دورانه ،والمسافات بين النجوم والكواكب مسافات هائلة ،فالمسافة بين أرضنا هذه وبين الشمس تقدر بنحو ثلاثة وتسعين مليونا من الأميال ،والقمر يبعد عن الأرض بنحو أربعين ومائتي ألف من الأميال ...،وهذه المسافات على بعدها ليست شيئا يذكر حين تقاس ببعد مجموعتنا الشمسية ،وأقرب نجم من نجوم السماء الأخرى إلينا ،وهو يقدر بنحو أربع سنوات ضوئية ،وسرعة الضوء تقدَّر بستة وثمانين ومائة ألف من الأميال في الثانية الواحدة! ( أي أن أقرب نجم إلينا يبعد عنّا بنحو مائة وأربعة مليون مليون ميل ) وقد قدّر الله خالق هذا الكون الهائل أن تقوم هذه المسافات الهائلة بين مدارات النجوم والكواكب ،ووضع تصميم الكون على هذا النحو ليحفظه بمعرفته من التصادم والتصدع ،حتى يأتي الأجل المعلوم ،فالشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر ،والليل لا يسبق النهار ،ولا يزحمه في طريقه ،لأن الدورة التي تجيء بالليل والنهار لا تختل أبدا ،فلا يسبق أحدهما الآخر ،أو يزحمه في الجريان !
{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} .
وحركة هذه الأجرام في الفضاء أشبه بحركة السفينة في الخضم الفسيح ،فهي مع ضخامتها لا تزيد على أن تكون نقطة سابحة في ذلك الفضاء المرهوب ،وإن الإنسان ليتضاءل ،وهو ينظر إلى هذه الملايين التي لا تحصى من النجوم الدوّارة ،والكواكب السيارة ،متناثرة في ذلك الفضاء ،سابحة في ذلك الخضّم ،والفضاء من حولها فسيح فسيح ،وأحجامها الضخمة تائهة في ذلك الفضاء الفسيح16 .