قوله تعالى: ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) .ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الآية قد نزلت في الأوصياء الذين يأكلون ما لا يجوز أكله من مال اليتامى .ولعل الأظهر في الآية أن تدل على العموم ليشمل المراد بها كل من يعتدي على مال اليتيم سواء كان وصيا أو غيره .إذ لا يشترط أن ينحصر أكل مال اليتيم في الأوصياء دون غيرهم فإن كثيرا من الطامعين والعصاة من غير الأوصياء يتطاولون على اليتيم في ماله ليأكلوه دون تورّع أو تقوى .
ولا ينحصر الاعتداء في الأكل ،بل إنه يشمل كل وجوه الأخذ والإتلاف .لكنه قد ذكر الأكل لكونه الغالب في كيفية الاستفادة من المال .وفي الجملة فإن الاعتداء على مال اليتيم بأكله أو استلابه وأخذه بغير حق لا جرم أن يكون ظلما ،والظلم معناه وضع الشيء في غير موضعه ،وهو انحراف وميل عن القسطاس المستقيم وعن شرع الله الحكيم .والآكلون لأموال اليتامى هم من الظلمة الفسّاق الذين ستكتوي جلودهم وأبدانهم بلظى النار الحارقة فضلا عن أكل النار إذ تلج بطونهم فتتأجج فيها تأججا .
ومن لطيف المعنى المنبثق من التعبير بالبطون أن يكون في ذلك بيان لنقص الآكلين وخستهم وما هم عليه من ضعة وابتذال وفساد للطبع .ولا جرم أن يكون ذلك من التشنيع عليهم وإركاسهم في الهوان والحضيض .
وفي ذلك روي عن أبي سعيد الخذري قال: حدّثنا رسول الله ( ص ) عن ليلة أسري به قال:"رأيت قوما لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكّل بهم من يأخذ بمشارفهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار يخرج من أسافلهم فقلت: يا جبريل من هؤلاء .قال: هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما "وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال:"اجتنبوا السبع الموبقات "قيل: يا رسول الله وما هن ؟قال"الشرك بالله ،والسحر ،وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ،وأكل الربا ،وأكل مال اليتيم ،والتولي يوم الزحف ،وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات "وعلى ذلك فإن أكل مال اليتيم لهو من كبائر الإثم والفواحش التي تودي بالآكلين الظالمين في العذاب الشديد .
قوله: ( وسيصلون سعيرا ) من الصلي أو الصلاء وهو حر النار أو الوقود ،أو هو التسخين أو التحمية بالنار سواء كان ذلك بالاقتراب منها أو مباشرتها{[701]} .