( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) أي ظالمين في أكلها أو أكلا على سبيل الظلم وهضم الحق لا أكلا بالمعروف عند الحاجة أو اقتراضا أو تقديرا لأجرة العمل كما أذن الله للفقير في آية سابقة وكما أباحت الشريعة بدلائل أخرى ( إنما يأكلون في بطونهم ) أي ملء بطونهم ، فقد شاع هذا الاستعمال في الظرفية كأن الأصل فيها أن يكون المظروف مالئا للظرف .ويصح أن يكون ذكر البطون للتأكيد وتمثيل الواقع بكمال هيئته كقوله تعالى:( يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ) [ الفتح:11] .
( نارا ) أي ما هو سبب لعذاب النار أو ما يشبه النار في ضررها وروى أن أفواههم تملأ يوم القيامة جمرا وأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رآهم ليلة المعراج يجعل في أفواههم صخر من نار فيقذف في أجوافهن ، أي مثل له عذابهم بما سيكون عليه .وقد جعل بعض المفسرين هذا تفسيرا للآية يجعل أكل النار حقيقة لا مجازا وهو إنما يصح إذا صحت الرواية بجعل"يأكلون "للاستقبال والمتبادر منه أنه للحال بقرينة عطف الفعل المستقبل عليه وهو قوله:( وسيصلون سعيرا ) قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم"سيصلون "بضم الياء من الإصلاء ، والباقون بفتحها من الصلى .يقال صلى اللحم صليا"بوزن رماه رميا "شواه .فإذا رماه في النار يريد إحراقه يقال:أصلاه إصلاء وصلاة تصلية .وجعل بعضهم معنى الثلاثي والرباعي واحدا كل منهما يستعمل في الشيء وفي الإلقاء لأجل الإحراق والإفساد .وصلى يده بالنار سخنها وأدفأها واصطلى استدفأ ، وأصلاه النار وصلاه إياها أدخله إياها ، وأصلاه فيها أدخله فيها ، وصليت النار قاسيت حرها .والصلى- بالفتح والقصر- والصلاء- بالكسر والمد- الوقود ويطلق الصلاء على الشواء أي ما يشوى ، قال السيد الآلوسي وقال بعض المحققين إن أصل الصلى القرب من النار وقد استعمل هنا في الدخول مجازا اه .
و ( السعير ) النار المستعرة أي المشتعلة يقال سعرت النار سعرا وسعرتها تسعيرا أشعلتها ؛ قال الرازي والسعير معدول عن مسعورة كما عدل كف خضيب عن مخضوبة وإنما قال ( سعيرا ) لأن المراد نار من النيران مبهمة لا يعرف غاية شدتها إلا الله اه فهو يعني أن التنكير للتهويل ويحتمل أن يكون للتنويع أي يصلون أو يصليهم ملائكة العذاب سعيرا خاصا من السعر لا يصلاها إلا من هضم حقوق اليتامى وأكل أموالهم ظلما .
وهو قرينة لفظية وحجة معنوية من حيث دخلوها أي دخول دار الجزاء التي سميت باسمها لأن جل العذاب فيها يكون بها ، فلو كان ما ذكروه هو معنى الآية لكان لفظها هكذا: "فسيألكون نارا ويصلون سعيرا "فالأكل عذاب باطن البدن لأن معظم اغتيال المال يكون للأكل ، والصلى عذاب ظاهره فهو جزاء اللباس وسائر التصرفات .ولكنه لما ذكر"يأكلون "غفلا من علامة الاستقبال وعطف عليه"يصلون "مقرونا بالسين التي هي علامة الاستقبال علم أن المعنى أنهم إنما يأكلون الآن ما لا خير لهم في أكله لأنه في قبحه وما يترتب عليه من العقاب كالنار أو لأنه سبب لدخول النار ؛ ثم بين ما يجزون به في المستقبل الذي يشير إليه المجاز في أكل النار فقال"وسيصلون سعيرا "ولم أر أحدا حقق هذا البحث وليس عندنا في الآية شيء عن الأستاذ الإمام .