قوله تعالى: ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ) هذه الآية عامة لكل مذنب .ومن افترق ذنبا فرض عليه أن يتوب إلى الله كيلا يظل متلبسا بالإثم ولا ذهاب للإثم بغير توبة .وفي وجوب التوبة على المؤمنين المقارفين للمعاصي يقول سبحانه: ( وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون ) وليست التوبة لزاما مفروضا على الله ولا يليق بكماله وجلاله أن تفرض عليه التوبة عن المسيئين فرضا وإنما الله سبحانه بالخيار إن شاء تاب وغفر وإن شاء حاسب وعذّب .
والتوبة الصحيحة التي يقبلها الله ذات شروط لا تصح بدونها وهي أربعة: الندم بالقلب ،وترك المعصية في الحال ،والعزم على ألا يعود إلى مثلها ،وأن يكون ذلك حياء من الله تعالى لا من غيره .وقوله: ( بجهالة ) جاء فيها جملة أقوال تتركز في معنى جامع وهو أن كل من عصى الله خطأ أو عمدا فهو جاهل .فمن الجهالة أن يعصي العبد ربه كيفما كانت معصيته .وإن من الحق أن نتبين أن العبد لا يتعدى حدود الله ولا يتجرأ بالمعصية إلا وهو جاهل بجلاله وعظيم شانه ،قال قتادة في هذا الصدد: أجمع أصحاب النبي ( ص ) على أن كل معصية فهي بجهالة عمدا كانت أو جهلا .
ولو اجتمعت للمرء كامل المعرفة والتبصر بعظيم الهيمنة الإلهية والقدرة الربانية لأمسك عن المعاصي والآثام ولبادر بالطاعة والخضوع لأمر الله جلّت قدرته فلا يأخذه في ذلك عتو ولا استنكاف .
قوله: ( ثم يتوبون من قريب ) ورد فيها جملة أقوال نكتفي منها بثلاثة لتحديد معنى القرب هنا .فقد قيل: ما كان دون الموت فهو قريب .وقيل: ما كان قبل الغرغرة فهو قريب وقيل: الدنيا كلها محسوبة من القريب .وكل هذه المعاني جيدة تجتمع على إرساء معنى أساسي واحد وهو أن كل شيء قريب وأن كل أمر وإن تصوّره الإنسان بعيدا فهو في ميزان الحقيقة قريب وكل ما هو آت آت{[712]} .