يقول تعالى:إنما يتقبل الله التوبة ممن عمل السوء بجهالة ، ثم يتوب ولو قبل معاينة الملك [ لقبض] روحه قبل الغرغرة .
قال مجاهد وغير واحد:كل من عصى الله خطأ أو عمدا فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب .
وقال قتادة عن أبي العالية:أنه كان يحدث:أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون:كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة . رواه ابن جرير .
وقال عبد الرزاق:أخبرنا معمر ، عن قتادة قال:اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شيء عصي به فهو جهالة ، عمدا كان أو غيره .
وقال ابن جريج:أخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قال:كل عامل بمعصية الله فهو جاهل حين عملها . قال ابن جريج:وقال لي عطاء بن أبي رباح نحوه .
وقال أبو صالح عن ابن عباس:من جهالته عمل السوء .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ( ثم يتوبون من قريب ) قال:ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت ، وقال الضحاك:ما كان دون الموت فهو قريب . وقال قتادة والسدي:ما دام في صحته . وهو مروي عن ابن عباس . وقال الحسن البصري:( ثم يتوبون من قريب ) ما لم يغرغر . وقال عكرمة:الدنيا كلها قريب .
ذكر الأحاديث في ذلك:
قال الإمام أحمد:حدثنا علي بن عياش وعصام بن خالد ، قالا حدثنا ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن جبير بن نفير عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ".
[ و] رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، به وقال الترمذي:حسن غريب . ووقع في سنن ابن ماجه:عن عبد الله بن عمرو . وهو وهم ، إنما هو عبد الله بن عمر بن الخطاب .
حديث آخر عن ابن عمر:قال أبو بكر بن مردويه:حدثنا محمد بن معمر حدثنا عبد الله بن الحسن الخراساني ، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي حدثنا أيوب بن نهيك الحلبي قال:سمعت عطاء بن أبي رباح قال:سمعت عبد الله بن عمر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ما من عبد مؤمن يتوب قبل الموت بشهر إلا قبل الله منه ، وأدنى من ذلك ، وقبل موته بيوم وساعة ، يعلم الله منه التوبة والإخلاص إليه إلا قبل منه ".
حديث آخر:قال أبو داود الطيالسي:حدثنا شعبة ، أخبرنا إبراهيم بن ميمون ، أخبرني رجل من ملحان يقال له:أيوب - قال:سمعت عبد الله بن عمر يقول:من تاب قبل موته بعام تيب عليه ، ومن تاب قبل موته بشهر تيب عليه ، ومن تاب قبل موته بجمعة تيب عليه ، ومن تاب قبل موته بيوم تيب عليه ، ومن تاب قبل موته بساعة تيب عليه . فقلت له:إنما قال الله:(إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ) فقال:إنما أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهكذا رواه أبو داود الطيالسي ، وأبو عمر الحوضي ، وأبو عامر العقدي ، عن شعبة .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا محمد بن مطرف ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن البيلماني قال:اجتمع أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أحدهم:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بيوم ". فقال الآخر:أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال:نعم . قال:وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بنصف يوم "فقال الثالث:أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال:نعم . قال:وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله يقبل توبة العبد قبل أن يموت بضحو ". قال الرابع:أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال:نعم . قال وأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله [ تعالى] يقبل توبة العبد ما لم يغرغر بنفسه ". وقد رواه سعيد بن منصور عن الدراوردي ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن البيلماني فذكر قريبا منه .
حديث آخر:قال أبو بكر بن مردويه:حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد ، حدثنا عمران بن عبد الرحيم ، حدثنا عثمان بن الهيثم ، حدثنا عوف ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر ".
أحاديث في ذلك مرسلة:
قال ابن جرير:حدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن قال:
بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر "هذا مرسل حسن . عن الحسن البصري ، رحمه الله .
آخر:قال ابن جرير أيضا ، رحمه الله:حدثنا ابن بشار ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن العلاء بن زياد ، عن أبي أيوب بشير بن كعب; أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ".
وحدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، فذكر مثله .
أثر آخر:قال ابن جرير:حدثنا ابن بشار ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عمران ، عن قتادة قال:كنا عند أنس بن مالك وثم أبو قلابة ، فحدث أبو قلابة فقال:إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة فقال:وعزتك وجلالك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح . فقال الله:وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح .
وقد ورد هذا في حديث مرفوع ، رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو وأبي الهيثم العتواري كلاهما عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"قال إبليس:وعزتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم . فقال الله عز وجل:وعزتي وجلالي ، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ".
فقد دلت هذه الأحاديث على أن من تاب إلى الله عز وجل وهو يرجو الحياة ، فإن توبته مقبولة [ منه] ; ولهذا قال تعالى:( فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ) فأما متى وقع الإياس من الحياة ، وعاين الملك ، وحشرجت الروح في الحلق ، وضاق بها الصدر ، وبلغت الحلقوم ، وغرغرت النفس صاعدة في الغلاصم - فلا توبة متقبلة حينئذ ، ولات حين مناص