قوله تعالى: ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما ) .
قد يوحي ظاهر الآية بعدم قبول التوبة قبل الموت .ولا يُتصور هذا الفهم على هذا النحو لما في ذلك من معارضة لصحة التوبة على أية حال حتى الغرغرة .والأحاديث في ذلك كثيرة ومتضافرة لتتفق على أن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر .فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن ابن عمر أن النبي ( ص ) قال:"إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ".
وبذلك فإن التوبة جائزة من العبد إلا إذا جاوزت الروح الحلقوم عند النزع وحصلت الغرغرة فإن التوبة حينئذ تكون مردودة .
ويمكن فهم الآية على أنها مشابهة من حيث المعنى لقوله تعالى: ( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده ) .أو قوله تعالى: ( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) .وذلك يعني أن الناس إذا قامت الساعة غشيتهم قوارع الخوف الشديد فيندمون أشد الندم ويسارعون في التوبة لكن توبتهم هذه لا تنفعهم إذ ذاك .
وكذلك فإن الذين يموتون على الشرك – كيفما كانت صورته- فإن توبتهم بغير قيمة .وإنما شرط التوبة من أجل القبول أن تكون مسبوقة بإسلام العبد .فالمشركون حينما يعاينون الساعة والعذاب يأخذون في التوبة وهي لا تغنيهم ولا تقبل منهم .
وأولئك جميعا لهم سوء العاقبة والمصير حيث العذاب الموجع الذي لا يطاق ولا يحتمل ،وقد روى الإمام أحمد في ذلك عن أبي ذر الغفاري أن النبي ( ص ) قال:"إن الله يقبل توبة عبده أو يغفر لعبده ما لم يقع في الحجاب "قيل: وما وقوع الحجاب ؟قال:"تخرج النفس وهي مشركة "وعلى هذا لا تجدي التوبة من حضره الموت وصار في حين اليأس .كشأن فرعون حين غشيه الغرق فلم ينفعه ما أظهر من الإيمان{[713]} .