ثم بين - سبحانه - من لا تقبل توبتهم بعد بيانه لمن تقبل توبتهم فقال:( وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) .
أى:وليست التوبة مقبولة عند الله بالنسبة للذين يعملون السيئات ، ويقترفون المعاصى ، ويستمرون على ذلك ( حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت ) .
بأن شاهد الأحوال التى لا يمكن معها الرجوع إلى الدنيا ، وانقطع منه حبل الرجاء فى الحياة ( قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن ) أى قال فى هذا الوقت الذى الفائدة من التوبة فيه:إنى تبت الآن .
وقوله:( وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) أى وليست التوبة مقبولة أيضا من الذين يموتون وهم على غير دين الإِسلام .
فالآية الكريمة قد نفت قبول التوبة من فريقين من الناس .
أولهما:الذين يرتكبون السيئات صغيرها وكبيرها ، ويستمرون على ذلك بدون توبة أو ندم حتى إذا حضرهم الموت ، ورأوا أهواله ، قال قائلهم:إنى تبت الآن وقد كرر القرآن هذا المعنى فى كثير من آياته ، ومن ذلك قوله - تعالى -:( فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ) وقوله - تعالى - حكاية عن فرعون ( حتى إِذَآ أَدْرَكَهُ الغرق قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ المسلمين آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ المفسدين فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) وعدم قبول توبة هؤلاء فى هذا الوقت سببه أنهم نطقوا بها فى حالة الاضطرار لا فى حالة الاختيار ، ولأنهم نطقوا بها فى غير وقت التكليف .
وثانيهما:الذين يموتون وهم على غير دين الإِسلام ، فقد أخرج الامام أحمد عن أبى ذر الغفارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن يقبل توبة عبده ما لم يقع الحجاب . قيل:وما الحجاب؟ قال أن تموت النفس وهى مشركة ".
وكثير من العلماء يرى أن المراد بالفريق الثانى:الكفار ، لأن العطف يقتضى المغيرة .
ومنهم من يرى أن الفريق الأول شامل للكفار ولعصاة المؤمنين فيكون عطف قوله ( وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) من باب عطف الخاص على العام لإفادة التأكيد .
و ( حتى ) فى قوله ( حتى إِذَا حَضَرَ ) حرف ابتداء . . والجملة الشرطية بعدها غاية لما قبلها . أي ليست التوبة لقوم يعملون السيئات ويستمرون على ذلك فإذا حضر أحدهم الموت قال كيت وكيت .
وقوله ( وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) معطوف على الموصول قبله . أى ليس قبول التوبة هؤلاء الذين يعملون السيئات . . . ولا لهؤلاء الذين يموتون وهم كفار .
ثم بين - سبحانه - سوء عاقبتهم فقال - تعالى -:( أولئك أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ) أى أولئك الذين تابوا فى غير وقت قبول التوبة هيأنا لهم عذابا مؤلما موجعا بسبب ارتكاسهم فى المعاصى؛ وابتعادهم عن الصراط المستقيم الذى يرضاه - سبحانه - لعباده .
ثم وجه القرآن نداء عاما إلى المؤمنين نهاهم فيه عما كان شائعا في الجاهلية من ظلم للنساء وإهدار لكرامتهن، وأمرهم بحسن معاشرتهن، وبعدم أخذ شيء من حقوقهن فقال- تعالى:-