قوله تعالى: ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لأتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما ) ورد في سبب نزول هذه الآية أن ثابت بن قيس بن شماس قد تفاخر هو وأحد اليهود .فقال اليهودي: والله لقد كتب علينا أن نقتل أنفسنا فقتلنا وبلغت القتلى سبعين ألفا .فقال ثابت: والله لو كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم لفعلنا .وفي رواية أخرى أنه لما نزلت هذه الآية قال فريق من الصحابة منهم عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وثابت بن قيس: لو أن الله أمرنا أن نقتل أنفسنا أو أن نخرج من ديارنا لفعلنا فقال النبي ( ص ):"للإيمان أثبت في قلوب الرجال من الجبال الرواسي "{[784]} ،ذلك امتحان عسير يفتن به المؤمنون فلا يكادون يتجاوزونه بمنجاة من السقوط أو التداعي وهو امتحان لا جرم أن يضيق به الناس ذرعا لقلة صبرهم وضعف احتمالهم للأهوال والشدائد .إنه امتحان شاق وكؤود لا ينجو منه غير الصابر من الأشداء من الناس ،أو الأتقياء الأوفياء من أولى العزائم القوية والهمم العالية أولئك الذين يمضون سراعا لأمر الله فيبادرون بالطاعة من غير تثاقل أو عجز أو اضطراب .
وبعد ذلك يحض الله عباده على العمل بما يوعظون به والمبادرة للعمل بأوامره سبحانه ،ثم الوقوف عند حدوده من غير اعتداء أو تجاوز ولسوف يجزيهم الله خير الجزاء في الحياة وبعد الممات .في الحياة حيث الرخاء والأمن والطمأنينة والنعيم المقيم ،وبعد الممات حيث النجاة من العذاب الأليم الواصب .
قوله: ( وأشد تثبيتا ) أي على الإيمان والحق .وقيل: أشد تصديقا والتثبيت كلمة جامعة تتناول كل صور التمكين والاستقرار والقوة ،سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة ،فإن أولي العقيدة الصحيحة المكينة لا تثنيهم النوازل والأهوال والمحن عن منهج الله وعن دينه القويم ،ولكنهم دائما ثابتون أقوياء يغمرهم برد اليقين ليكونوا في هذه الحياة آمنين ثابتين مطمئنين ،وهم في الآخرة ( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) وكذلك فإنهم حينئذ ( لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) .