/ت60
القرآن يخاطب المواقف الحقيقية للمنافقين
{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} وماذا بعد ذلك ؟إن القرآن يخاطب مواقفهم الحقيقية ،ليحرّك أعماقهم بما تختزنه من رواسب التمرّد ومشاعر الانحراف ،فلو كانوا مؤمنين كما يزعمون ،لانطلقوا مع خط الإيمان في مواقعه المطلقة التي تعبر عن الاستسلام لله في كل شيء ،ولكنهم ليسوا كذلك ،فلو أن الله دعاهم إلى أن يقتلوا أنفسهم في ساحات الجهاد أو بطريقةٍ ذاتية ،أو طلب منهم أن يخرجوا من ديارهم لأي هدف كان ،لما أطاعوه في ذلك ،إلا قليل منهم ممن انفتحت آفاقهم على الله فرجعوا إليه .وهذا دليل عدم الإيمان ،لأن الإسلام يعني التسليم الذي تمثل في موقف إبراهيم وولده إسماعيل ،كما حدثنا الله عنه{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْي قَالَ يبُنَىَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يإِبْرَهِيمُ *قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ} [ الصافات:102106] .
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ} من الخير والعمل الصالح ،{لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} لنفوسهم وقلوبهم بالإيمان ،لأن الإيمان يثبت بالموقف الصلب والعمل الصالح ،ولحصلوا من الله على الأجر العظيم ،ولهداهم إلى الصراط المستقيم ،لأن الله يهدي الإنسان الذي يطلب الهدى ويتحرك في سبيله{وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِّن لَّدُنَّآ أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِراطاً مُّسْتَقِيماً} .