يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبونه من المناهي لما فعلوه ; لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر ، وهذا من علمه - تبارك وتعالى - بما لم يكن أو كان فكيف كان يكون ; ولهذا قال تعالى:( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم )
قال ابن جرير:حدثني المثنى ، حدثني إسحاق ، حدثنا أبو زهير عن إسماعيل ، عن أبي إسحاق السبيعي ، قال:لما نزلت:( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل [ منهم] ) الآية ، قال رجل:لو أمرنا لفعلنا ، والحمد لله الذي عافانا . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي ".
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا جعفر بن منير ، حدثنا روح ، حدثنا ، عن الحسن قال:لما نزلت هذه الآية:( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ) الآية . قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:لو فعل ربنا لفعلنا ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي ".
وقال السدي:افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود ، فقال اليهودي:والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا . فقال ثابت:والله لو كتب علينا:( أن اقتلوا أنفسكم ) لقتلنا . فأنزل الله هذه الآية . رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا بشر بن السري ، حدثنا مصعب بن ثابت ، عن عمه عامر بن عبد الله بن الزبير ، قال:لما نزلت [ ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ) قال أبو بكر:يا رسول الله ، والله لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت ، قال:"صدقت يا أبا بكر ".
حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن أبي عمر العدني قال:سئل سفيان عن قوله] ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ) قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم ".
وحدثنا أبي ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن صفوان بن عمرو ، عن شريح بن عبيد قال:لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية:( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم [ أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم] ) الآية ، أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى عبد الله بن رواحة ، فقال:"لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل "يعني:ابن رواحة .
ولهذا قال تعالى:( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ) أي:ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به ، وتركوا ما ينهون عنه ( لكان خيرا لهم ) أي:من مخالفة الأمر وارتكاب النهي ( وأشد تثبيتا ) قال السدي:أي:وأشد تصديقا .