قوله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} .
اختلف المفسرون في تأويل قوله:{ادْعُونِي} وفي المراد بالاستجابة .فقد قيل: ادعوني بمعنى اعبدوني فيكون معنى الآية: اعبدوني أثبكم وأغفر لكم ؛فالدعاء معناه العبادة ويؤيد هذا التأويل ورود الدعاء في كثير من الآيات بمعنى العبادة .وكذلك سياق الآية هنا وهو قوله بعد ذكر الدعاء{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} وفي ذلك روى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إن الدعاء هو العبادة ".
وقيل: المعنى اسألوني أعطكم .فالدعاء معناه السؤال والطلب .
والصواب: شمول الدعاء للعبادة والسؤال .على أن التوجه إلى الله بالسؤال والطلب لهو ضرب من العبادة ،بل إنه أعظم العبادة وأجلُّها .وفي الحديث الصحيح"الدعاء مخ العبادة "ولا يستنكف عن التضرع إلى الله بالطلب أو يستكبر عن السؤال لدفع الشر وتحقيق الخير إلا خاسر أثيم .وهو قوله سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أي صاغرين ذليلين .وقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من لم يسأل الله يغضب عليه "{[4030]} .
والمؤمن مدعُوٌّ في كل الأوقات أن يستعين بالله فيرتجيه ويسأله مستغيثا به ،طالبا منه العون والصون والتوفيق لدفع المكاره والشرور واستجلاب الحسنات والخيرات والمسرات .وليس للمرء أيُّما غنى عن التضرع إلى الله بالدعاء وهو الطلب المكرور المتواصل في كل الأحيان ،ليدعوه بقلبه الخاضع الخاشع ،ولسانه الذاكر الشاكر من غير أن يستشعر في ذلك ملالة ولا سأما بل يدعو الله ويُلحُّ عليه في الدعاء والرجاء حتى يقضي له بُغيته إن شاء سبحانه .والله جل جلاله يفيض على عباده المؤمنين المخبتين المتضرعين من واسع ملكوته وعظيم فضله ورحمته ما يقضي به حاجات عباده المكروبين ويكفكف عنهم المكاره والنائبات ويُجنِّبهم المزالق والعثرات .