المفردات:
داخرين: صاغرين أذلاء .
التفسير:
60-{وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} .
فتح الله بابه للداعين ،وفتح رحمته للمسترحمين ،وحث عباده على الالتجاء إليه ،وذلك بعد التوبة النصوح ،وأكل الحلال والبعد عن الحرام ،ونظافة القلب ،وخشوع الإنسان وتذلله لخالقه ،والصدق في الدعاء ،عندئذ يقبل الله عبادة العابد ،ودعاء الداعي ،ويطلق الدعاء على العبادة ،وفي الحديث:"الدعاء مع العبادة"
والعبادة توجه إلى الله في إخلاص ومحبة وتوقير ،والدعاء اعتراف لله بان بيده الخلق والأمر ،والنفع والضرّ .
ويمكن أن نفسر الدعاء بواحد من اثنين:
1- الدعاء بمعنى سؤال الله .
2- العبادة كالصلاة والصيام .
أي: اتجهوا إليّ بالدعاء فإني أستجيب لكم ،أو اعبدوني حق العبادة أحقق لكم سعادة الدنيا ،والفوز بالجنة في الآخرة .
{إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} .
إن الذين يتكبرون عن عبادة الله ،ويستعلون عن الخضوع لأوامره ،ويتّبعون أهواءهم ولا يخضعون لأمر ربهم ،هؤلاء الذين تكبروا على عبادة الله ،ولم يتجهوا إلى دعاء الله والتضرع إليه ،سيدخلون النار أذلاء صاغرين ،فالعزّ الحقيقي في طاعة الله والخضوع لأمره ،وإتباع ما أمر به والبعد عما نهى عنه .
قال المفسرون:
ولا تنافي بين تفسير الدعاء هنا بالسؤال والتضرع إلى الله تعالى ،وبين تفسيره بالعبادة ،لأن الدعاء هو لون من ألوان العبادة ،بل هو مخّها ،أي أهم شيء فيها ،حيث يشتمل الدعاء على التوجه إلى الله واليقين بقدرته .
قال تعالى:{ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له ...} ( الأنبياء: 76 ) .
كما أجاب الله دعاء زكريا وأيوب وداود وسليمان ويونس وامرأة عمران ،وغيرهم من الصالحين والصالحات .
وقد أورد القرطبي وابن كثير وغيرهما طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة في هذا المقام ،ومن ذلك ما ورد في تفسير القرطبي:
حكى قتادة أن كعب الأحبار قال: أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم تعطهن أمة قبلها إلاّ نبي: كان إذا أرسل نبي قيل له: أنت شاهد على أمتك ،وقال تعالى لهذه الأمة:{لتكونوا شهداء على الناس ...} ( البقرة: 143 ) .
وكان يقال للنبي: ليس عليك في الدين من حرج ،وقال الله لهذه الأمة:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} ( الحج: 78 ) .
وكان يقال للنبي: ادعني أستجيب لك ،وقال لهذه الأمة:{ادعوني أستجب لكم ...} .
قال القرطبي:
ومثل هذا لا يقال من جهة الرأي وقد جاء مرفوعا ،رواه ليث ،عن شهر بن حوشب ،عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"أعطيت أمتي ثلاثا لم تُعط إلا للأنبياء: كان الله تعالى إذا بعث النبي قال: ادعني أستجب لك ،وقال لهذه الأمة:{ادعوني أستجب لكم ...} وكان الله إذا بعث النبي قال: ما جعل عليك في الدين من حرج .وقال لهذه الأمة:{وما جعل عليكم في الدين من حرج ...} وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه ،وجعل هذه الأمة شهداء على الناس ".
ذكره الترمذي الحكيم في ( نوادر الأصول ){[625]} .