قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 40 ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ( 41 ) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ( 42 ) مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} .
{يُلْحِدُونَ} يميلون إلى الحق ،من الإلحاد وهو الميل والعدول ،ومنه اللحد في القبر وهو الحفر في شق ،وألحدَ في دين الله أي أحاد عنه وعدل ،ويراد بالملحد المنحرف عن الحق إلى الباطل .{[4065]} وذلك تهديد من الله للمشركين الذين يميلون عن الإيمان بالله ورسوله ويجتنبون عقيدة التوحيد الخالص وُحادُّون الله ورسوله والمؤمنين ويتمالئون على كتاب الله بالتشكيك والتكذيب والتشويش ؛أولئك يتوعدهم الله بقوله:{لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} الله يعلمهم ،ويعلم كيدهم ومكرهم ؛إذْ لا يخفى منم أحد على الله الذي لا يخفى عليه شيء ،وهو لهم بالمرصاد ،ثم أخبر تعالى عما هو فاعل بهم مما تهددهم به من سوء العذاب فقال:{أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} استفهام تقرير ينبِّهُ الله به إلى أن الجاحدين المكذبين الذي يكيدون لدين الله ولكتابه الحكيم صائرون إلى النار ؛إذ يلقون فيها على وجوههم لينالوا فيها العذاب الأليم ،وذلك بخلاف المؤمنين المخبتين الذين استسلموا لأمر الله واخلصوا له الطاعة والعبادة فإنهم يأتون يوم القيامة آمنين مطمئنين فلا يمسهم العذاب ولا هم يحزنون .
على أن المراد بذلك العموم ،فالآية تعم سائر المكذبين الجاحدين الذين يُلْحِدُون في آيات الله بالتكذيب والصدِّ والإعراض ،وكذلك تعم سائر المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله والتزموا شرع الله ومنهجه العظيم وهو الإسلام .
قوله:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} وهذا وعيد آخر لهؤلاء المكذبين الذين يُشاقّون الله ورسوله والمؤمنين ؛أي اعملوا ما شئتم من سوء الأعمال التي تُفْضِي بكم إلى النار{إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .