التّفسير
محرفو آيات الحق:
المجموعة التي بين أيدينا من آيات السورة الكريمة ،بدأت بتهديد الذين يقومون بتحريف علائم التوحيد ،وتضليل الناس ،حيث يقول تعالى: ( إنّ الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ) .
من الممكن لهؤلاء أن يضلّوا الناس بأسلوب المغالطة وباستخدام السفسطة الكلامية ،ويخفوا ذلك عن الناس .إلاّ أنّه ليس بوسعهم إخفاء ذرّة ممّا يقومون به عن الله تبارك وتعالى .
«يلحدون » من ( إلحاد ) وهي في الأصل من ( لحد ) على وزن ( عهد ) وتعني الحفرة الواقعة في جانب واحد ،ولهذا السبب يطلق على الحفرة في جانب القبر اسم «اللحد » .
ثمّ أطلقت كلمة ( إلحاد ) على أي عمل يتجاوز الحد الوسط إلى الإفراط أو التفريط ،وهي لذلك تطلق لوصف الشرك وعبادة الأصنام ،ويقال لمن لا يؤمن بالله تعالى ( الملحد ) .
والمقصود من «الإلحاد في آيات الله » هو إيجاد الوساوس والتمويه في أدلة التوحيد والمعاد التي ذكرتها الآيات السابقة بعنوان «ومن آياته » أو جميع الآيات الإلهية ،سواء منها الآيات التكوينية السابقة أو الآيات التشريعية النازلة في القرآن الكريم والكتب السماوية الأُخرى .
إنّ المذاهب المادية والإلحادية في عالمنا اليوم التي تعتبر الدين وليد الجهل أو الخوف أو نتاج العامل الاقتصادي والأُمور الأُخرى لإضلال الناس ،هيبلا شك من مصاديق الخطاب في هذه الآية الكريمة .
القرآن الكريم أوضح جزاء هؤلاء في إطار مقارنة واضحة فقال تعالى: ( أفمن يُلقى في النّار خير أم مَن يأتي آمناً يوم القيامة ) ؟
الأشخاص الذين يحرقون إيمان الناس وعقائدهم بنيران الشبهات والتشكيكات سيكون جزاؤهم نار جهنّم ،بعكس الذين أوجدوا المحيط الآمن للناس بهدايتهم إلى التوحيد والإيمان ،فإنّهم سيكونون في أمان يوم القيامة أليس ذلك اليوم هو يوم تتجسد فيه أعمال الإنسان في هذه الدنيا ؟
وقال بعض المفسّرين: إنّ الآية تقصد «أبا جهل » «أبو جهل » كنموذج للغواية ولأهل النّار ،وفي الجانب المقابل ذكروا «حمزة » عم النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو «عمار بن ياسر » لكن من الواضح أنّ هذا القول لا يعدو أن يكون مصداقاً للآية ذات المفهوم الواسع .
والطريف في هذا الجزء من الآية أنّ التعبير القرآني يستخدم كلمة ( إلقاء ) في مخاطبة أهل النّار كدليل على عدم امتلاكهم الخيار في أمرهم ،بينما يستخدم كلمة «يأتي » في مخاطبة أهل الجنّة ،كدليل على احترامهم وحريتهم وإرادتهم في اختيار الأمن والهدوء .
وفوق كلّ هذا فقد استخدمت الآية تعبير الأمان من العذاب كناية عن الجنّة ،بينما استخدمت نار جهنم بشكل مباشر ،وفي ذلك إشارة إلى أنّ أهم قضية في ذلك اليوم هي «الأمن » .
وعندما ييأس الإنسان من هداية شخص يخاطبه بقوله: افعل ما شئت .لذا فالآية تقول لأمثال هؤلاء: ( اعملوا ما شئتم ) .
لكن عليكم أن تعلموا: ( أنّه بما تعملون بصير ) .
لكن هذا الأمر لا يعني أنّ لهم الحرية في أن يعملوا ما يشاؤون ،أو أن يتصرفوا بما يرغبون ،بل هو تهديد لهم بأنّهم لا يصغون لكلام الحق ،إنّه تهديد يتضمّن توعُّد هؤلاء والصبر على أعمالهم إلى حين .