قوله تعالى:{لاَ يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ( 49 ) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ( 50 ) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} .
ذلك بيان من الله يكشف فيه عن حقيقة الإنسان في طبْعِهِ الجزوع ،وفي جنوحه للإسراع والعجلة وإسرافه الملحّ في دعاء الخير ،وذلك قوله:{لاَ يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} الإنسان دأْبُهُ الإلحاح في المسألة والاستكثار من الخير ؛فهو على الدوام لا يمل{مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} والمراد هنا بالخير والعافية والجاه والسلطان ،أما المراد بالإنسان ،فقيل: الكافر ،وقيل: الوليد بن المغيرة ،أو عتبة بن ربيعة .والأولى بالصواب أن يراد بذلك أكثر الناس سواء منهم الكافرون والمنافقون أو ضعاف الإيمان والعقيدة من كثير المسلمين ،أولئك جميعا مجبولون على الهلع والجزع والإفراط في حب الدنيا والاستكثار من زينتها ومباهجها من المال والصحة والعز وحب الشهرة والاستعلاء .
قوله:{الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} الإنسان الخائر على اختلاف حقيقته من الكفر أو النفاق أو الضعف أو التهافت ؛فإنه خائر مضطرب فهو إن أصابه الشر من فقر أو مرض أو خوف أو غير ذلك من وجوه البلاء صار آيسا قانطا ؛إذ ييأس من فرج الله ويقنط من رحمته في كشف البلاء والضرِّ عنه ،وذلك هو دأب الإنسان الخاوي ،الذي خلا قلبه من الإيمان أو من عقيدة الإسلام ،وذلك بخلاف المؤمنين الثابتين على الحق في كل الأحوال والظروف ،أولئك الذين يخشون الله ،ويرجون منه العون والرحمة والمدد .ويسألونه في سائر الملابسات والتقلبات أن يشدّ أزرهم ويقوي عزائمهم ويرسِّخ فيهم القدرة على الاصطبار وأن يبدد من أمامهم المكاره والغُموم والكربات والمخاوف ،وأولئك هم المؤمنون الثابتون على منهج الله ،وهم على حالهم من الرسوخ والصبر والطمأنينة حتى يلقوا ربهم .