قوله:{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} المراد بالعلم ههنا ،هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛فقد كان المشركون يتمنون أن يُبعث فيهم نبي .فلما بعث الله فيهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أنكروه وكذبوه وذلك هو تَفَرُّقهم .وكان ذلك منهم{بَغْيًا بَيْنَهُمْ} فهم أهل ظلم وإيذاء وكيد .وقيل: المراد أمم النبيين السابقين ؛فقد اختلفوا فيما بينهم لما طال عليهم الأمد ،فآمن قوم وكفر قوم .وقيل: المراد أهل لكتاب من اليهود والنصارى فقد كذّبوا رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم لما جاءهم .كما قال سبحانه:{وما تفرّق الذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءتهم البيِّنة} فقد قال المشركون: لم خُصَّ محمد بالنبوة ؟أما أهل الكتاب فقد حسدوه{بَغْيًا بَيْنَهُمْ} يعني بغيا من بعضهم على بعض حبًّا في الظهور والاستعلاء وطلبا للرياسة .فما كان تفرُّقهم لقصور في الحجة والبيان .فقد كانت الحجة ظاهرة جَليَّة ،والبيان واضحا ساطعا .ولكن كان تفرّقهم للظلم وإيثارا للشهوة والاستعلاء بالباطل .
قوله:{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي لولا قول من الله سبق أن لا يعاجلهم بالعذاب في الدنيا بل يؤخره{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وهو يوم القيامة{لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي لعجل بينهم العذاب .أو لأنزل عقابه بهؤلاء المتفرقين المختلفين في الحق فعُوقبوا قبل الممات جزاء ظلمهم وضلالهم .
قوله:{وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ} وهم أهل الكتاب الذين آتاهم الله التوراة والإنجيل من بعد هؤلاء المختلفين في الحق{لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} إنهم لفي شك من دين الله الحق وهو دين التوحيد ،الذي وصّى به نوحا وأوحاه إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم{مُرِيبٍ} أي موقع في الريبة والشك{[4092]} .