قوله تعالى:{اليوم أحل لكم الطيبت وطعام الذين أوتوا الكتب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا ءاتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخذان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين} أعاد قوله:{اليوم} على سبيل التأكيد .والمراد باليوم الوقت الذي جاء في الإسلام ليحل للمؤمنين الطيبات وليحرم عليهم الخبائث .وقد بينا الطيبات في الفقرات السابقة .
وقوله:{وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} طعام مبتدأ ،وخبره ،حل لكم .والمراد بطعامهم ذبائحهم .وقيل: جميع مطامعهم .والأول الراجح وهو قول أكثر المفسرين ،لأن غير الذبائح لم يختلف في حله .والذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى ،فإن ذبائحهم تحل للمسلمين .أما المجوس فإنه يسن بهم سنة أهل الكتاب من حيث أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحه ونكاح نسائهم ،وذلك لإجماع أكثر المسلمين على ذلك ،ولما رواه البيهقي عن الحسن بن محمد بن علي قال:"كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام ،فمن أسلم قبل ،ومن أصر ضربت عليه الجزية غير ناكحي نسائهم"وهو مرسل .
واختلف العلماء في حل ذبيحة اليهودي والنصراني إذا ذكر عليها اسم غير الله تعالى ،مثل عزير ،والمسيح .فقد ذهب أكثر العلماء إلى أنها تحل استنادا إلى عموم الآية .فقد أحل الله ذبائح أهل الكتاب وهو يعلم ما يقولون .وقال ابن عمر: لا تحل .وقول سائر العلماء بالحل هو الصواب .
وقال الحسن البصري: إذا ذبح اليهودي أو النصراني فذكر اسم غير الله تعالى وأنت تسمع فلا تأكل .فإذا غاب عنك فكل فقد أحل الله تعالى لك .
وقوله بعدم الحل عند السماع لا يصح لمخالفته عموم الآية وهي يدل ظهرها على حل ذبائح أهل الكتاب من غير تقييد .
وجدير بالذكر هنا جواز الأكل والشرب والطبخ في أوان الكفار كلهم سواء كانوا كتابيين أو مشركين على اختلاف شركهم ،إلا أن تكون أوانيهم من الذهب أو الفضة أو جلد الخنزير .فإن كانت من غير ذلك جاز استعمالها للأكل والشرب بعد أن تغسل أو تغلى ،وذلك لأن الكفار لا يعبأون بالنجاسات تصيب آنيتهم ،فإذا استعملوها وجب غسلها لتطهيرها .وإن كانت من الفخار وجب غلي الماء غليا لإزالة النجاسة السارية في أجزاء الفخار .
قوله:{وطعامكم حل لهم} أي مباح لكم إطعام أهل الكتاب من ذبائحكم مثلما أكلتم من ذبائحهم .وهو من باب المكافأة والمجازاة{[901]} .
قوله:{والمحصنات من المؤمنات} معطوف على الطيبات .أو مبتدأ ،وخبره محذوف تقديره حل لكم والمراد بالمحصنات من المؤمنات العفائف .وقيل: الحرائر .وقيل: العفائف الحرائر ،أي أحل لكم نكاح العفائف الحرائر من النساء المؤمنات .
وقوله:{والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} فقد قيل: أراد بالمحصنات الحرائر دون الإماء .وقيل: المحصنات العفيفات عن الزنا .يؤكد ذلك قوله{محصنات غير مسافحات} .
على أن المراد بالكتابيات الذميات دون الحربيات ،وهو قول أكثر الفقهاء .وقد كان عبد الله بن عمر لا يرى نكاح النصرانية ويقول: لا أعلم شركا أعظم من أن تقول إن ربها عيسى وقد قال الله:{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} على أن قول ابن عمر مرجوح .والصحيح قول أكثر أهل جواز نكاح الكتابيات استنادا إلى ظاهر الآية .وقيل كذلك يدخل في الكتابيات الحربيات فضلا عن الذميات .
قوله:{إذا ءاتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين} المقصود بالأجور هنا المهور .وقد قيد النكاح بإيتاء المهور للتأكيد على وجوبها – أي المهور ،وقوله:{محصنين} حال منصوب .أي أعفاء بالنكاح .
وقوله:{غير مسافحين} حال ثانية .وقيل: صفة لمحصنين .أي غير مجاهرين بالزنا .والسفاح معناه الزنا على سبيل الإعلان .
وقوله:{ولا متخذي أخذان} أخذان جمع خدن .والخدن بالكسر معناه في اللغة الصاحب .ويراد به ههنا ذو العشيقة ،واتخاذ الخدن هو الزنا في السر .
قوله:{ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} أي يكفر بشرائع الإسلام ومن جملتها أحكام الحل والحرمة هنا ،أو يمتنع عن قبولها .فمن كان هذا شأنه فقد حبط عمله .أي زال ثواب إيمانه وعمله قبل كفره .
وقوله:{وهو في الآخرة من الخسرين} أي الهالكين الذين أفضى بهم كفرهم واستنكافهم عن شريعة الله إلى عذاب الله ونكاله{[902]} .