قوله تعالى:{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد 16 إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد 17 ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد 18 وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد 19 ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد 20 وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد 21 لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} .
هذه جملة آيات تحمل في مضمونها فيضا من مختلف المشاهد والأخبار والمعاني ،ما بين تحذير وتنبيه وترهيب وتذكير .
آيات بينات تثير اليقظة في الذهن ،وتنشر الذهول في النفس والخيال ،وتنفذ إلى أعماق الفطرة لتؤزها وتهيج فيها التنبه والذعر .آيات مثيرة عجاب يفيض منها الجمال والعذوبة والترويع في آن .وذلكم هو القرآن بأسلوبه الفريد وخصائصه العجيبة ،إن ذلكم لهو الإعجاز .قوله:{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} الوسوسة هي حديث النفس{[4316]} فالله خالق الإنسان وهو أعلم بمن خلق .وهو سبحانه علام الغيوب فلا يخفى عن علمه وإحاطته شيء .وما يستكن في أعماق الإنسان من أسرار وخفايا لا يعزب عليه منه شيء ،حتى الوسوسة وهي ما تتحدث به النفس لذاتها يعلمها الله .
قوله:{ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} الله أقرب للإنسان من كل شيء ،بل إنه أقرب من نفسه لنفسه .و{الوريد} ،معناه الوتين وهو عرق موصول بالقلب إذا انقطع مات صاحبه .وقيل: هو الودج{[4317]} وهذا تمثيل يبين مدى القرب ،أي أن الله أقرب إلى الإنسان من حبل وريده أو من قلبه إلى نفسه ،فالله محيط بالإنسان كله ،عليم بأحواله وأسراره جميعا .