قوله تعالى:{ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون 16 اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بيّنّا لكم الآيات لعلكم تعقلون} .
كان المسلمون في مكة مجدبين فقراء فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه من الخشوع فنزلت الآية: وقال ابن مسعود ( رضي الله عنه ): ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين .وروي عن ابن عباس أنه قال: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن فقال:{ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} ألم يأن ،من أنى الأمر يأنى ،إذا جاء إناه ،أي وقته .والمعنى: أما آن للمؤمنين أن تلين قلوبهم لذكر الله وهو سماع القرآن وما فيه من المواعظة وضروب التذكير والآيات{وما نزل من الحق} أي القرآن .وهو معطوف على الذكر .فقد عطف أحد الوصفين على الآخر .ويجوز أن يراد بالذكر الموعظة والعبرة .
قوله:{ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم} ولا يكونوا معطوف على{تخشع} ويجوز أن يكون نهيا للمؤمنين عن مماثلة أهل الكتاب في قسوة القلوب .وذلك أن اليهود والنصارى لما تطاول علهم الأمد بدّلوا كتاب الله الذي بأيديهم واشتروا به ثمنا قليلا ونبذوه وراء ظهورهم ،لأنه يحول بينهم وبين شهواتهم وأهوائهم وأقبلوا على ما اصطنعه لهم أحبارهم ورهبانهم من ضلالات الأفكار والقناعات{فطال عليهم الأمد} أي طال عليهم الأجل والزمان وهم على حالهم هذه{فقست قلوبهم} صارت قلوبهم غليظة كزّة لا يعطفها التذكير والتحذير ولا تنفذ إليها المواعظ ولا تلين لوعد أو وعيد .فيحذر الله المسلمين أن يكونوا أمثال هؤلاء الغلاظ البور .
قوله:{وكثير منهم فاسقون} كثير من أهل الكتاب خارجون عن حقيقة دينهم ،رافضون لما في التوراة والإنجيل الأصليين من توحيد كامل لله ودعوة حقيقية لمكارم الأخلاق وتحذير شديد من الاستسلام للشيطان والشهوات .