قوله تعالى:{وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعم نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركئنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون} هذه صورة عن عقلية العرب الجاهليين ،يشار فيها إلى مبلغ الضلال والسخافة وهوان الأحلام فقد جعل العرب المشركون مما خلق الله من الحرث ( الزرع ) والأنعام جزءا لله .أي جعلوا لله نصيبا من زرعهم ونتاج أنعامهم .وقالوا:{هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا} وسموا الأصنام شركائهم ،لأنهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم فهم شركاؤهم فيها .وقد روي أنهم كانوا يعينون شيئا من الزرع والنتاج لله ويصرفونه إلى الضيفان والمساكين ،وشيئا آخر لآلهتهم ،إذ ينفقونه على سدنتها بزعمهم .أي بافترائهم وكذبهم وتصورهم الفاسد .فإذا ذهب ما لشركائهم ( الأوثان ) بالإنفاق عليها وعلى سدنتها عوضوا منه ما لله .وإذا ذهب ما لله بالإنفاق على الضيفان والمساكين لم يعوضوا منه شيئا ،وقالوا: الله مستغن عنه ،وشركاؤهم فقراء .لا جرم أن ذلك محض هراء وباطل وافتراء .وهو مجرد اجترار مقبوح من اجترارات الأحلام المريضة والفهوم التي تتيه في الضلال .
قوله:{فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم} أي فما عينوه لشركائهم لا يصرف إلى الوجوه التي يصرف إليها ما عينوه لله تعالى .وما عينوه لله تعالى يصرف إلى الوجوه التي يصرف إليها ما عينوه لآلهتهم .وقال ابن عباس في تأويل ذلك: كانوا إذا أدخلوا الطعام فجعلوه حزما جعلوا منها لله سهما ،وسهما لآلهتهم .وكان إذا هبت الريح من نحو الذي جعلوا لآلهتهم إلى الذي جعلوه لله ردوه إلى الذي جعلوه لآهتهم .
وإذا هبت الريح من نحو الذي جعلوه لله إلى الذي جعلوه لآلهتهم أقروه ولم يردوه .وروي عنه قوله أيضا أنهم: جعلوا لله من ثمراتهم ومالهم نصيبا ،وللشيطان والأوثان نصيبا فإن سقط من ثمره ما جعلوه لله في نصيب الشيطان والأوثان تركوه ،وإن سقط مما جعلوه للشيطان في نصيب الله التقطوه وحفظوه وردوه إلى نصيب الشيطان .وقيل غير ذلك من نحوه وما يشبهه من التأويل مما تتصوره الحلوم السخيفة لأهل الجاهلية .
قوله:{ساء ما يحكمون} ما في محل رفع ساء .أي ساء حكمهم في تفضيل آلهتهم على الله .وساءت أحلامهم التي سول لها الشيطان مثل هذا الضلال المبين{[1282]} .