التّفسير
لاقتلاع جذور الشرك وعبادة الأصنام من الأذهان يعود القرآن إِلى ذكر العادات والتقاليد والعبادات الخرافية السائدة بين المشركين ،ويثبت في بيان واضح أنّها خرافية ولا أساس لها ،فقد كان كفّار مكّة وسائر المشركين يخصصون لله سهماً من مزارعهم وأنعامهم ،كما كانوا يخصصون سهماً منها لأصنامهم أيضاً ،قائلين: هذا القسم يخص الله ،وهذا القسم يخص شركاءنا أي الأصنام: ( وجعلوا لله ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا ) .
على الرغم من أنّ الآية تشير إِلى نصيب الله فقط ،ولكن العبارات التّالية تدل على أنّهم كانوا يخصصون نصيباً للأصنام أيضاً ،جاء في بعض الرّوايات: أنّهم كانوا يصرفون ما يخصصونه لله على الأطفال والضيوف ،والنصيب المخصص للأصنام من الزرع والأنعام كانوا يصرفونه على خدم الأصنام والقائمين على معابدها والأضاحي وعلى أنفسهم أيضاً{[1300]} .
سبب اعتبارهم الأصنام شركاءهم يعود إِلى كونهم يرونها شريكة لهم في أموالهم وحياتهم .
وتعبير ( ممّا ذرأ ) أي ممّا خلق ،يشير إِلى بطلان مزاعمهم ،إِذ إِنّ كل أموالهم وما يملكون هو ممّا خلق الله فكيف يجعلون نصيباً منه لله ونصيباً منه للأصنام ؟!
ثمّ تشير الآية إِلى واحد من أحكامهم العجيبة وهو الحكم بأنّ ما خصصوه لشركائهم لا يصل إِلى الله ،ولكن ما خصصوه لله يصل إِلى شركائهم ( فما كان لشركائهم فلا يصل إِلى الله وما كان لله فهو يصل إِلى شركائهم ) .
اختلف المفسّرون بشأن المقصود من هذه الآية ،ولكن آراءهم كلها تدور حول حقيقة واحدة ،هي أنّه إِذا أصاب نصيب الله ضرر على أثر حادثة قالوا: هذا لا أهمية له لأنّ الله لا حاجة به إِليه ،ولكن إِذا أصاب الضرر نصيب أصنامهم عوضوا عنه من نصيب الله ،قائلين: إِنّ الأصنام أشد حاجة إِليه .
كما أنّهم إِذا نفذ الماء المار بمزرعة الله إِلى مزرعة الأصنام قالوا: لا مانع من ذلك ،فالله ليس محتاجاً ،ولكن إِذا حدث العكس منعوا الماء المتسرب إِلى مزرعة الله ،قائلين: إِنّ الأصنام أحوج !
وفي الختام تدين الآية هذه الخرافات فتقول: ( ساء ما يحكمون ) .
إِنّ قبح عملهمفضلا عن قبح عبادة الأصناميتبيّن في الأُمور التّالية .
1على الرغم من أنّ كل شيء هو من خلق الله ،وملك له دون منازع ،وأنّه هو الحاكم على كل الكائنات وهو مدبرها وحافظها فإِنّهم إِنّما كانوا يخصصون جانباً من ذلك كله لله ،وكأنّهم هم المالكون الأصليون ،وكأنّ حق التقسيم بيدهم ،( إِنّ جملة ( ممّا ذرأ ) تشير إِلى هذا كما قلنا ) .
2لقد كانوا في هذا التقسيم يلزمون جانب الأصنام ويفضلون ما لها على ما لله ،لذلك لم يكونوا يهتمون بما يصيب نصيب الله من ضرر ،ولكنّهم كانوا يجبرون كل ضرر يصيب نصيب الأصنام من نصيب الله ،فكان هذا تحيزاً إِلى جانب الأصنام ضد الله !
3يتبيّن من بعض الرّوايات أنّهم كانوا يهتمون اهتماما كبيراً بحصة الأصنام ،فقد كان خدم الأصنام والقائمون على معابدها وكذلك المشركون يأكلون من حصة الأوثان ،بينما كانوا يخصصون حصة الله للأطفال وللضيوف ،وتدل القرائن على أنّ الأغنام السمينة والمحاصيل الزراعية الجيدة كانت من نصيب الأصنام ،أي لمصلحة السدنة الخاصّة .
كل هذا دل على أنّهم في هذا التقسيم لم يكونوا يعترفون لله حتى بمنزلة مساوية لمنزلة الأصنام .
فأي حكم أقبح وأدعى إِلى العار من أن يعتبر إِنسان قطعة من الحجر أو الخشب الذي لا قيمة له أرفع من خالق عالم الوجود ،هل هناك هبوط فكريّ أحط من هذا ؟