هذا ذم وتوبيخ من الله للمشركين الذين ابتدعوا بدعا وكفرا وشركا ، وجعلوا لله جزءا من خلقه ، وهو خالق كل شيء سبحانه وتعالى عما يشركون; ولهذا قال تعالى:( وجعلوا لله مما ذرأ ) أي:مما خلق وبرأ ( من الحرث ) أي:من الزروع والثمار ( والأنعام نصيبا ) أي:جزءا وقسما ، ( فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا ) .
وقوله:( فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ) قال علي بن أبي طلحة ، والعوفي ، عن ابن عباس ; أنه قال في تفسير هذه الآية:إن أعداء الله كانوا إذا حرثوا حرثا ، أو كانت لهم ثمرة ، جعلوا لله منه جزءا وللوثن جزءا ، فما كان من حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه . وإن سقط منه شيء فيما سمي للصمد ردوه إلى ما جعلوه للوثن . وإن سبقهم الماء الذي جعلوه للوثن . فسقى شيئا جعلوه لله ؛ جعلوا ذلك للوثن . وإن سقط شيء من الحرث والثمرة الذي جعلوه لله ، فاختلط بالذي جعلوه للوثن ، قالوا:هذا فقير . ولم يردوه إلى ما جعلوه لله . وإن سبقهم الماء الذي جعلوه لله . فسقى ما سمي للوثن تركوه للوثن ، وكانوا يحرمون من أموالهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، فيجعلونه للأوثان ، ويزعمون أنهم يحرمونه لله ، فقال الله عز وجل ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ) الآية .
وهكذا قال مجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وغير واحد .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسيره:كل شيء جعلوه لله من ذبح يذبحونه ، لا يأكلونه أبدا حتى يذكروا معه أسماء الآلهة . وما كان للآلهة لم يذكروا اسم الله معه ، وقرأ الآية حتى بلغ:( ساء ما يحكمون ) أي:ساء ما يقسمون ، فإنهم أخطئوا أولا في القسمة ، فإن الله تعالى هو رب كل شيء ومليكه وخالقه ، وله الملك ، وكل شيء له وفي تصرفه وتحت قدرته ومشيئته ، لا إله غيره ، ولا رب سواه . ثم لما قسموا فيما زعموا لم يحفظوا القسمة التي هي فاسدة ، بل جاروا فيها ، كما قال تعالى:( ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون ) [ النحل:57] ، وقال تعالى:( وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين ) [ الزخرف:15] ، وقال تعالى:( ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى ) [ النجم:21 ، 22] .