قوله:{ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن} كم ،اسم للعدد في موضع نصب على المفعولية بأهلكنا وليس{يروا} لأن الاستفهام له صدر الكلام فلا يعمل فيه ما بعده{[1119]} والقرن ،يراد به هنا الجيل من الناس{[1120]} .وهذا تخويف وموعظة من الله للناس عسى أن يكفوا عن الإدبار والجحود ،فتصيخ قلوبهم للحق أو يلينوا لسماع القرآن الحكيم .فقد وعظهم الله وذكرهم بما حل بالأمم السالفة كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب وفرعون وغيرهم من الأمم السابقة الذين أعرضوا عن ملة التوحيد واستكبروا في الأرض بغير الحق فأصابهم من الوبال والخسران ما أصابهم فكانوا عبرة خالدة ماثلة لمن يعتبر .
قوله:{مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم} أي جعلنا لهم فيها مكانا وقررناهم فيها وأعطيناهم من القوى والقدرات ما لم نجعل مثله لكم .أو أعطيناهم وجعلنا لهم من السعة وطول المقام ما لم نجعل لكم يا أهل مكة .
قوله:{وأرسلنا السماء عليهم مدرارا} المراد بالسماء هنا المطر .وقيل: السحاب .والمدرار على وزن مفعال ،للمبالغة ومعناه المغزار ،كثير الصب .
قوله:{وجعلنا الأنهر تجري من تحتهم} أي من تحت مساكنهم وأشجارهم .والمعنى أن هؤلاء الأقوام السابقين عاشوا في خصب وسعة ورخاء ؛إذ كانوا في بيوتهم الآمنة المكينة وهم تحف بهم الأنهار والأشجار والثمار فعاشوا آمنين منعمين .
لكنهم لفسقهم وعتوهم وتكذيبهم لرسل الله أخذهم الله بالعذاب البئيس .فحقيق بكم أنتم يا أهل مكة ،وأنتم الأقل منهم حظا والأضعف منهم في الكثرة والسعة في الأموال والأجساد ،أن تتعضوا وترعووا لتثوبوا إلى الحق والامتثال لأمر الله .
قوله:{فأهلكناهم بذنوبهم} الفاء للتعقيب .أي فكفروا فأهلكناهم .والباء للسببية .أي أهلكنا كل قرن من تلك القرون بسبب عتوهم واستكبارهم وما قارفوه من الذنوب والخطايا في حق النبيين والمرسلين ،إذ آذوهم وكذبوهم .فالذنوب سبب لزوال النعم وغير ذلك من وجوه الانتقام .
قوله:{وأنشأنا من بعدهم قرنا ءاخرين} بعد أن أهلك الله أولئك الظالمين المكذبين أوجد بدلا منهم قوما آخرين .فالله تعالى لا يعجزه أن يهلك مثل هؤلاء المكذبين الجاحدين .وإنما يهلكهم إهلاكا ليأتي بآخرين بدلا منهم ،فاحذروا أنتم يا مشركي مكة أن يحل عليكم من الهلاك ما حاق بالسابقين من قبلكم بسبب جحودهم وتكذيبهم{[1121]} .