قوله:{وكتبنا له في الألواح من كل شيء وموعظة وتفضيلا لكل شيء} كتب الله التوراة لموسى ؛إذ كتبها جبريل بأمر ربه عز وعلا ،وأضاف الله الكتابة إلى نفسه ؛تشريفا للتوراة وتعظيما .وقد كتب فيها{من كل شيء} مما يحتاجون إليه في دينهم من الأحكام ومن نبين للحلال والحرام .وقيل: لا يريد بكل شيء التعميم بل ذكر ذلك على سبيل التفخيم كقوله:{تدمر كل شيء} .وذلك كله{موعظة وتفصيلا لكل شيء} أي أنزلت التوراة على بني إسرائيل ؛لتكون لهم موعظة ؛أي ليتعظوا ويثوبوا إلى بارئهم ؛فلا يميلوا عن شرع الله .ولتكون{تفصيلا لكل شيء} أي تبيينا الأحكام الحلال والحرام وغير ذلك مما أمروا به أو نهوا عنه{[1520]} .
قوله:{فخذها بقوة} أي قال له ربه: خذ التوراة بجد واجتهاد ونشاط ،وكذلك كلفه ربه أن يأمر بني إسرائيل أن يأخذوا بأحسن التوراة وهو قوله:{وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} المراد بأحسنها ،المأمور بعلمه ؛فقد أمرهم أن يعلموا بما كان مأمورا به وهو أحسن من العمل بالمنهي عنه .وقيل: بأحسن ما فيها بما أجره أعظم من اجر غيره .كقوله:{فيتبعون أحسنه} ومن الأحسن الصبر على الغير والعفو عنه ؛فهو أحسن من الانتصار للنفس والأخذ لها بالقصاص من الجاني .وكالعمل بالعزيمة أحسن من العمل بالرخصة ،وبالفريضة دون النافلة .
قوله:{سأوريكم دار الفاسقين} ذلك إخبار من الله لموسى والذين استضعفوا معه أنه سيريهم{دار الفاسقين} أي جهنم .وقيل: سأوريكم دار الظالمين في مصر وهم فرعون وقومه .وقيل: المراد ما مروا عليه إذا سافروا من منازل عاد وثمود والذين أهلكوا .وذلك وعيد تهديد لما خالف أمر الله فتنكب عن شرعه وصراطه المستقيم وآثر الأهواء والشهوات فانزلق في المعاصي والموبقات .فأولئك الخاسرون الهالكون الذين زاغوا عن دين الله ومنهجه الحكيم للناس .