/م143
ثمّ أضاف تعالى واصفاً محتويات الألواح التي أنزلها على موسى( عليه السلام ) بقوله: ( وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء ) .
ثمّ أمره بأن يأخذ هذه التعاليم والأوامر مأخذ الجد ،ويحرص عليها بقوة ( فخذها بقوّة ) .
وأن يأمر قومه أيضاً بأن يختاروا من هذه التعاليم أحسنها ( وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ) .
كما يحذرهم بأن مخالفة هذه الأوامر والتعاليم والفرار من المسؤوليات والوظائف تستتبع نتائج مؤلمة ،وأن عاقبتها هي جهنم وسوف يرى الفاسقون مكانهم ( سأريكم دار الفاسقين ) .
بحوث
ثمّ إن ها هنا نقاط عديدة ينبغي التوقف عندها والالتفات إليها:
1نزول الألواح على موسى
إنّ ظاهر الآية الحاضرة يفيد أن الله تعالى أنزل ألواحاً على موسى( عليه السلام ) قد كتب فيها شرائع التوراة وقوانينها ،لا أنّه كانت في يدي موسى( عليه السلام ) ألواح ثمّ انتقشت فيها هذه التعاليم بأمر الله .
ولكن ماذا كانت تلك الألواح ،ومن أي مادة ؟إنّ القرآن لم يتعرض لذكر هذا الأمر ،وإنما أشار إليها بصورة الإِجمال وبلفظة «الألواح » فقط ،وهذه الكلمة جمع «لوح » ،وهي مشتّقة من مادة «لاح يلوح » بمعنى الظهور والسطوع ،وحيث أنّ المواضيع تتّضح وتظهر بكتابتها على صفحة ،تسمى الصفحة لوحا{[1465]} .
ولكن ثمّة احتمالات مختلفة في الرّوايات وأقوال المفسّرين حول كيفية وجنس هذه الألواح ،وحيث إنّها ليست قطعية أعرضنا عن ذكرها والتعرض لها .
2كيف كلّم الله موسى ؟
يستفاد من الآيات القرآنية المتنوعة أنّ الله تعالى كلّم موسى( عليه السلام ) ،وكان تكليم الله لموسى عن طريق خلق أمواج صوتية في الفضاء أو في الأجسام ،وربّما انبعثت هذه الأمواج الصوتية من خلال «شجرة الوادي الأيمن » وربّما من «جبل طور » وتبلغ مسمع موسى فما ذهب إليه البعض من أن هذه الآيات تدلّ على جسمانية الله تعالى جموداً على الألفاظ تصوُّر خاطئ بعيد عن الصواب .
على أنّه لا شك في أن ذلك التكلُّم كان من جانب الله تعالى بحيث أن موسى( عليه السلام ) كان لا يشك عند سماعه له في أنّه من جانب الله ،وكان هذا العلم حاصلا لموسى ،إمّا عن طريق الوحي والإِلهام أو من قرائن أُخرى .
3عدم وجوب جميع تعاليم الألواح
يستفاد من عبارة ( من كل شيء موعظة ) أنّه لم تكن جميع المواعظ والمسائل موجودة في ألواح موسى( عليه السلام ) لأنّ الله يقول: ( وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة ) وهذا لأجل أن دين موسى( عليه السلام ) لم يكن آخر دين ،ولم يكن موسى( عليه السلام ) خاتم الأنبياء ،ومن المسلّم أن الأحكام الإلهية التي نزلت كانت في حدود ما يحتاجه الناس في ذلك الزمان ،ولكن عندما وصلت البشرية إلى آخر مرحلة حضارية للشرايع السماوية نزل آخر دستور إلهي يشمل جميع حاجات
الناس المادية والمعنوية .
وتتّضح من هذا أيضاً علة تفضيل مقام علي( عليه السلام ) على مقام موسى( عليه السلام ) في بعض الرّوايات{[1466]} ،وهي أن علياً( عليه السلام ) كان عارفاً بجميع القرآن ،الذي فيه تبيان كل شيء ( نزلنا عليك الكتاب تبياناً لكلّ شيء ) في حين أنّ التوراة لم يرد فيها إلاّ بعض المسائل .
4هل في الألواح تعاليم حسنة وأُخرى غير حسنة ؟
إنّ ما نقرؤه في الآية ( وامر قومك يأخذوا بأحسنها ) لا يعني أنّه كانت في ألواح موسى تعاليم «حسنة » وأُخرى «سيئة » وأنّهم كانوا مكلَّفين بأن يأخذوا بالحسنة ويتركوا السيئة ،أو كان فيها الحسن والأحسن ،وكانوا مكلّفين بالأخذ بالأحسن فقط ،بل ربّما تأتي كلمة «أفعل التفضيل » بمعنى الصفة المشبهة ،والآية المبحوثة من هذا القبيل ظاهراً ،يعني أن «الأحسنْ » هنا بمعنى «الحسن » وهذا إشارة إلى أن جميع تلك التعاليم كانت حسنة وجيدة .
ثمّ إنّ هناك احتمالا آخر في الآية الحاضرةأيضاًوهو أن الأحسن بمعنى أفعل التفضيل ،وهو إشارة إلى أنّه كان بين تلك التعاليم أُمور مباحة ( مثل القصاص ) وأُمور أُخرى وصفت بأنّها أحسن منها ( مثل العفو ) يعني: قل لقومك ومن اتبعك ليختاروا ما هو أحسن ما استطاعوا ،وللمثال يرجحوا العفو على القصاص ( إلاّ في موارد خاصّة ){[1467]} .
5في مجال قوله: ( سأريكم دار الفاسقين ) الظاهر أن المقصود منها هو جهنم ،وهي مستقرّ كل أُولئك الذين يخرجون من طاعة الله ،ولا يقومون بوظائفهم الإلهية .
ثمّ إنّ بعض المفسّرين احتمل أيضاً أن يكون المقصود هو أنّكم إذا خالفتم هذه التعاليم فإنكم سوف تصابون بنفس المصير الذي أصيب به قوم فرعون والفسقة الآخرون ،وتتبدل أرضكم إلى دار الفاسقين{[1468]} .