/م146
ولهذا يقول أوّلا: ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحقّ ) .
ومن هنا يتّضح أنّ الآية الحاضرة لا تنافي أبداً الأدلة العقلية حتى يقال بتأويلها كما فعل كثير من المفسّرينإنّها سنة إِلهية أن يسلب الله من المعاندين الألدّاء توفيق الهداية بكل أشكاله وأنواعه فهذه هي خاصية أعمالهم القبيحة أنفسهم ،ونظراً لانتساب جميع الأسباب إلى الله الذي هو علّة العلل ومسبب الأسباب في المآل نسبت إليه .
وهذا الموضوع لا هو موجب للجبر ،ولا مستلزم لأي محذور آخر ،حتى نَعمد إلى توجيه الآية بشكل من الأشكال .
هذا ،ولابدّ من الالتفاتضمنياًإلى أنّ ذكر عبارة ( بغير الحق ) بعد لفظة: ( التّكبر ) إنّما هو لأجل التأكيد ،لأنّ التكبر والشعور بالاستعلاء على الآخرين واحتقار عباد الله يكون دائماً بغير حق ،وهذا التعبير يشبه الآية ( 61 ) من سورة البقرة ،عندما يقول سبحانه: ( ويقتلون النّبيين بغير الحق ) فقيد بغير الحق هنا قيد توضيحي ،وتوكيدي لأنّ قتل الأنبياء هو دائماً بغير حق .
خاصّة أنّها أُردِفَت بكلمة «في الأرض » الذي يأتي بمعنى التكبر والطغيان فوق الأرض ،ولا شك أنّ مثل هذا العمل يكون دائماً بغير حق .
ثمّ أشار تعالى إلى ثلاثة أقسام من صفات هذا الفريق «المتكبر المتعنت » وكيفية سلب توفيق قبول الحق عنهم .
الأُولى قوله تعالى: ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ) إنّهم لا يؤمنون حتى ولو رأوا جميع المعاجز والآيات والثّانية ،( وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا )والثّالثة إنّهم على العكس ( وإن يروا سبيل الغي يتّخذوه سبيلا ) .
بعد ذكر هذه الصفات الثلاث الحاكية برمتها عن تصلب هذا الفريق تجاه الحق ،أشار إلى عللها وأسبابها ،فقال: ( ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) .
ولا شك أنّ التكذيب لآيات الله مرّةأو بضع مراتلا يستوجب مثل هذه العاقبة ،فباب التوبة مفتوح في وجه مثل هذا الإنسان ،وإنّما الإصرار في هذا الطريق هو الذي يوصل الإنسان إلى نقطة لا يعود معها يميّز بين الحسن والقبيح ،والمستقيم والمعوج ،أي يسلب القدرة على التمييز بين «الرشد » و«الغي » .