( 8 ) سبيل الغي: سبيل الغواية والضلال .
/م138
تعليق على الآيتين
{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ..} إلخ .
وتلقيناتهما
في السلسلة آيتان تبدوان من جهة غير متصلتين بموضوع السلسلة ومن جهة منسجمتين في نظمهما وهما الآيتان [ 146 و 147] ولقد روى المفسرون وقالوا: إنهما تتمة لكلام الله تعالى لموسى عليه السلام كما رووا ،وقالوا: إنهما خطاب لسامعي القرآن .والاحتمالان واردان وقد رجح الطبري القول الثاني .وعلى هذا الترجيح تكونان استطراديتين ليكون فيهما بالمناسبة إنذار لسامعي القرآن .على أن إطلاق العبارة فيهما تجعل هذا الإنذار للسامعين واردا سواء أصح القول الثاني أم الأول .
والإنذار في الآيتين شديد عنيف للذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ويقفون مواقف الفساد والعناد والبغي والصد عن آيات الله .والذين يرون الحق واضحا فلا يعترفون به ويرون سبيل الرشد بينا فلا يسيرون فيه .ثم يسيرون في سبيل الغي والضلال عن علم وقصد .وإطلاق العبارة يجعل محتوى الآيتين شاملا لكل من يتصف بهذه الصفات ويقف مثل هذا الموقف في كل ظرف ومكان وكونهم لا يمكن أن يكونوا موضع رضاء الله وتوفيقه .وبذلك تكونان مستمد تلقين بليغ مستمر المدى .ولقد تكررت الآيات المكية والمدنية في ذم المستكبرين والتنديد بهم على ما سوف يأتي بعد ،حيث ينطوي في هذا مظهر من مظاهر عناية حكمة التنزيل بتوكيد التنبيه على هذا الأمر بسبيل حمل المسلمين على تجنب هذا الخلق المذموم .
وهناك أحاديث نبوية يتساوق تلقينها مع التلقين القرآني في صدد ذم الكبر والمستكبرين والتحذير من ذلك رأينا إيرادها في هذه المناسبة .منها حديث رواه الشيخان والترمذي عن حارثة بن وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا أخبركم بأهل الجنة ،كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبره ،ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر ){[993]} .وحديث رواه أبو داود ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار ){[994]} .وحديث رواه مسلم والترمذي عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ،ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء ){[995]} .وحديث رواه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان ){[996]} .
هذا ،والشطر الثاني من الآية الأولى يزيل ما يمكن أن يرد من توهم في كون عبارة{سأصرف عن آياتي} الواردة في شطرها الأول تعني أن الله عز وجل يسد الباب دون اهتداء الناس بآياته .فهو قد أنزل آياته ليتدبرها الناس ويهتدوا بها فلا يصح فرض عكس ذلك .والعبارة هي بسبيل التنديد بالمتكبرين المنحرفين ،وإعلان كونهم سيكونون محرومين من رضاء الله بسبب تكبرهم وانحرافهم .ومن قبيل{وما يضل به إلا الفاسقين26 الذين ينقضون عهد الله} إلخ في آيات البقرة هذه:{إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين26 الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون27} ،ومن قبيل عبارة{ويضل الله الظالمين} في آية سورة إبراهيم هذه:{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء27} وعبارة{والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير} في آية سورة الشورى هذه:{ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير8} .