قوله تعالى:{وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون} إذ ،في موضع نصب بتقدير فعل .وتقديره: واذكر إذ نتقنا الجبل{[1570]} ،والنتق بمعنى الرفع ،أو قلع الشيء من موضعه والرمي به{[1571]} ؛فقد اقتلع الله الجبل من موضعه ورفعه فوق بني إسرائيل{كأنه ظلة} أي سحابة فوق رؤوسهم يوشك أن يقع عليهم فيهلكهم{وظنوا انه واقع بهم} أي علموا وأيقنوا أن الجبل سيقع عليهم لا محالة إذا لم يطيعوا أمر ربهم ولم يأخذوا ما في التوراة .ثم قال لهم الله مهددا ،وهم على حالهم من الذعر والهلع:{خذوا ما آتيناكم بقوة} أي التزموا تعاليم ما أنزلنا إليكم من الكتاب بجد ،لا هزل ولا خور .واعملوا بما فيه من الشرائع والأحكام من غير تقصير ولا تفريط ،واذكروا ما فيه من المواثيق والمواعظ والعبر ؛وإلا أرسلت عليكم الجبل فيبيدكم إبادة .
ومن أجل هذا التهديد الماثل ،وبهذا التخويف الذي أطار قلوب بني إسرائيل ،وخارت منه عزائمهم ،استجابوا طائعين مبادرين لا ينثنون ولا يتوانون .وفي ذلك درس نافع لمن يبتغي الوقوف على طبيعة يهود .فهم القوم الذين لا تلين طبائعهم لصوت الحجة والمنطق ولا يذعنون لنداءات الشرائع السماوية من توراة وغيرها .لا يصيحون لشيء من ذلك كله .إنما ينزجرون أو يرجون القهقري إذا أحاطت بهم ظواهر التهديد المرعب المنظور .