{وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ماءاتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون( 171 )}:
المفردات:
نتقنا: رفعنا .
ظلة: الظلة: ما أظلك .
بقوة: بجد وعزيمة .
وظنوا: أي: تيقنوا – وكثيرا ما يستعمل الظن بمعنى التيقن .
التفسير:
{171 – وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم ...{الآية .
تذكر هذه الآية طرفا من رذائل اليهود ؛فقد طلبوا من موسى عليه السلام أن يأتيهم بكتاب من عند الله فيه بيان للتشريعات وتوضيح لمعامل الحلال والحرام ،وقد جاءهم موسى بالتوراة مكتوبة في الألواح ،أو بنصائح وتشريعات وآداب ،قال تعالى:{وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها . ( الأعراف: 145 ) .
فلما قرأ عليهم موسى التوراة ،أو لم أخبرهم بالوصايا والتعاليم التي في الألواح ؛بادروا نبيهم بأن ما فيها لا يتحملونه ؛لأنه إصر وحمل ثقيل عليهم لا يطيقونه ،وكان هذا منهم عنادا ،فحملهم الله على العمل بما في التوراة ،بأن نتق الجبل فوقهم ورفعه رفعا حقيقيا كأنه ظلة .
قال مجاهد: أخرج الجبل من الأرض ورفع فوقهم كالظلة ،فقيل لهم: لتؤمنن أو ليقعن عليكم .
قال قتادة: نزلوا في أصل حبل مرتفع فوقهم فقال: لتأخذن أمرى ،أو لأرمينكم به50 .
والمعنى: واذكر أيها النبي: إذ رفعنا فوقهم جبل الطور51 وأصبح كأنه سقيفة أو سحابة تظلهم ،لما أبوا أن يتقبلوا التوراة لثقلها .
{وظنوا أنه واقع بهم} .وعلموا وتيقنوا أن الجبل سيسقط عليهم ،لأن الجبل لا يثبت في الفضاء .
{خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون} .
أي: قلنا لهم في هذه الحالة المخيفة: خذوا ما أعطيناكم من أحكام الشريعة بجد واجتهاد ،وحزم وعزم على احتمال المشاق والتكاليف .
واذكروا ما فيه من الأوامر والنواهي ،وتدارسوا تعاليم التوراة وأحكامها واعملوا بما فيها حتى لا تنسوها ؛فإن القوة في أحكام الدين ،والعمل بتشريع الله ،والبعد عن مخالفة الله ؛يزكى النفوس ويطهرها ،ويحقق لها الهداية والتقوى ،كما أن التهاون في احترام الدين ؛يغري النفوس باتباع الشهوات .
قال تعالى:{ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها} . ( الشمس 7 - 10 ) .
روى عن ابن عباس وغيره من السلف: أنهم راجعوا موسى في فرائض التوراة وشرائعها ،حتى رفع الله الجبل فوق رءوسهم ،فقال لهم موسى: ألا ترون ما يقول ربي عز وجل ؟لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها ،لأرمينكم بهذا ،فخروا سجدا ،فرقا من أن يسقط عليهم – رواه النسائي52 .
وجاء في ظلال القرآن:
لقد كانوا متقاعسين يومها عن إعطاء الميثاق ،فأعطوه في ظل خارقة هائلة ....ولقد أمروا في ظل تلك الخارقة القوية ،أن يأخذوا ميثاقهم بقوة وجدّية ،وأن يتمسكوا في شدة وصرامة ،وأن يظلوا ذاكرين لما فيه ،لعل قلوبهم تخشع وتتقي ،وتظل موصولة بالله لا تنساه53 .