/م167
{ وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلّة وظنوا أنه واقع بهم} لعل حكمة ختم قصة بني إسرائيل بهذه الآية هنا للتذكير ببدء حالهم في إنزال الكتاب عليهم في إثر بيان عاقبة أمرهم في مخالفته والخروج عنه ، فإن في تلك الفاتحة إشارة إلى هذه الخاتمة ، وذلك عندما أخذ عليهم الميثاق ليأخذن بالشريعة بقوة وعزم فإنه رفع فوقهم الطور وأوقع في قلوبهم الرعب من خوف وقوعه بهم ، فلا غرو إذا آل أمرهم إلى ترك العمل به بعد طول الأمد وقساوة القلوب ، والأنس بالذنوب ، وقد تقدم في مضي هذه الآية آيتان من سورة البقرة وأشير إليه في سورة النساء .وذكرنا آية الأعراف هذه في سياق تفسير آية البقرة الأولى .والمعنى واذكر أيها الرسول النبي الأمي إذ نتقنا فوق هؤلاء الجبل جبل الطور أي رفعناه كما عبر به في الآيات الأخرى وهو المروي عن ابن عباس- أو زلزلناه وهو مرفوع فوقهم مظلل لهم- كما يقال نتق السقاء إذا هزه ونفضه ليخرج منه الزبدة .قال الجمهور أنه اقتلعه وجعله فوقهم .
فإن قيل:لو كان الأمر كذلك لكان ظلة بالفعل لا كالظلة ، فإن الظلة كل ما أظلك من فوقك ، ويصدق رفع الجبل فوقهم كالظلة وجودهم في سفحه واستظلالهم به ، ( قلنا ) إنه وإن صح هذا التأويل فإن رفع الجبل على الوجه الأول إنما كان لإخافتهم لا لإظلالهم وأما ظنهم أنه واقع بهم فإنما جاء من زلزلته واضطرابه ، على أن الله تعالى قادر على قلعه وجعله فوقهم وكم رأوا من آياته ما هو أدل على قدرته تعالى من ذلك .
{ خذوا ما آتيناكم بقوة} وقلنا لهم في تلك الحالة:خذوا ما أعطيناكم من أحكام الشريعة بقوة عزيمة وعزم على احتمال مشاقه{ واذكروا ما فيه لعلكم تتقون} أي واذكروا ما فيه من الأحكام أوامرها ونواهيها ، أو اعملوا به لئلا تنسوه- فإن ذلك يعدكم للتقوى ويجعلها مرجوة لكم ، فإن الجد وقوة العزم في إقامة الدين يهذب النفس ويزكيها ، والتهاون والإغماض فيه يدسيها ويغويها{ قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها} [ الشمس:9 ، 10] .