قوله:{وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله} أي لم يجعل الله إرداف الملائكة بعضها بعضا وتتابعها لتصير مددا لكم في الحرب{إلا بشرى} أي بشارة لكم تبشركم بنصر الله لكم على أعدائكم وكيما تسكن قلوبكم بجيأتهم إليكم غوثا فتوقن بنصر الله .
وذلك هو شأن الإنسان .فما يدرك بحسه حتى يزداد يقينا وتثبيتا ،مع اليقين الكامل والمطلق أنه{وما النصر إلا من عند الله} أي أن النصر من عند الله يكتبه لعباده المؤمنين العاملين المخلصين .وأولئك الذين يجازيهم الله بالنصر والتوفيق ما داموا صادقين مخلصين ،وعلى منهج الله وحده سائرين ،وعليه سبحانه معتمدين متوكلين ،ومثل هذه الفئة المؤمنة الصادقة لا جرم أن يكتب الله لها النصر إذا استوفت واجباتها من الإعداد الديني والنفسي والمادي ما استطاعت إلى ذلك سبيلا .تلك هي الفئة المؤمنة في كل زمان إذا استوفت ما عليها من الواجبات ،وأدت ما في ذمتها من حقوق الله والبعاد ،واستعدت للقاء العدو ما أمكنها من استعداد المادة والحس –وإن كان دون استعداد الكافرين- فإن الله جلت قدرته يكتب لهم النصر بعونه ومشيئته إنجازا لوعده القائم الدائم{وما النصر إلا من عند الله} وقوله سبحانه:{ولينصرن الله من ينصره} قوله:{إن الله عزيز حكيم} أي أن الله لا يقهره قاهر ولا يغلبه غالب .بل إنه عز وهلا القاهر فوق عباده ،لا يهز عليه أن يقهر قاهر ولا يغلبه غالب .وهو كذلك{حكيم} أي فيما يفعل وفي تدبيره للكون والكائنات .فلا ينصر قوما أو يخذل آخرين إلا عن حكمة{[1627]} يعلمها هو .ولا ينصر المؤمنين أو يصرف عنهم النصر في بعض الأحيان إلا عن إرادته الربانية وحكمته الإلهية ،فهو أعلم بمن يستحق النصر أو يستوجب الهزيمة{[1628]} .