قوله تعالى:{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين 9 وما جعله الله إلا بشرى ولنطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم} .
روي الإمام احمد في سبب نزول هذه الآية عن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) قال: لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف ،ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة وعليه رداؤه وإزاره ثم قال: ( اللهم أنجز لي ما وعدتني .اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام ؛فلا تعبد في الأرض أبدا ) قال: فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه عن منكبه فأتاه أبو بكر ،فأخذ رداءه فرداه ثم التزمه من ورائه ثم قال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك ؛فإنه سينجز لك ما وعدك .فأنزل الله{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين} فلما كان يومئذ التقوا فهزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلا وأسر منهم سبعون رجلا ،واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذناه منهم قوة لنا على الكفار وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما ترى يا بان الخطاب ) قال: قلت: والله ما أرى ما أرى أبو بكر .ولكني أرى أن تمكنني من فلان –قريب لعمر- فأضرب عنقه ؛حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين ،هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم .فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت ،وأخذ منهم الفداء .فلما كان من الغد ،قال عمر: فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان ،فقلت: ما يبكيك أنت وصاحبك ؟فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما .قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة ) لشجرة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم .وأنزل الله عز وجل:{ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء ؛فقت منهم سبعون وفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ،وكسرت رباعيته ،وهمشت البيضة{[1624]} على رأسه وسال الدم على وجهه .وعن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: ( اللهم أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد ) فاخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك فخرج وهو يقول ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) رواه النسائي عن عبد المجيد الثقفي{[1625]} .
وقوله:{إذ تستغيثون} بدل من ( إذ ) في قوله: إذ يعدكم{[1626]} ؛أي يستجيرون بربكم من عدوكم وتطلبون منه الغوث والنصر{فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين} ومردفين ،في موضع جر صفة لألف .وقيل: حال من ضمير ممدكم ؛أي استجاب الله لاستغاثتكم ودعائكم فأمدكم بألف من الملائكة متتابعين ؛أي فرقة بعد فرقة فيردف بعضهم بعضا ويتلو بعضهم بعضا .