{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين( 9 ) وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم( 10 )}:
المفردات:
تستغيثون: تطلبون الغوث والنصر على عدوكم ،والغوث: التخليص من الشدة .
فاستجاب: فأجاب دعاءكم .
مردفين: متبعين بعضهم بعضا ،مأخوذ من أردفه إذا أركبه وراءه .
التفسير:
9 –{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} .
أي: اذكروا وقت استغاثتكم لربكم ،حين رأيتم أنه لا بد من قتال النفير .
قال أبو مسعود في تفسيره:
وذلك أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال ،جعلوا يدعون الله تعالى قائلين: أي رب ،انصرنا على عدوك يا غياث المستغيثين أغثنا ؛وعن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى المشركين وهم ألف ،وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر ،فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو:"اللهم ،انجز لي ما وعدتني ،اللهم ،إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ".فما زال كذلك حتى سقط رداؤه ،فأخذ أبو بكر رضي الله عنه فألقاه على منكبيه والتزمه من ورائه ،وقال: يا نبي الله ،كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدكx .
إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ..
اذكروا أيها المؤمنون – وقت أن كنتم – وأنتم على أبواب بدر تستغيثون ربكم وتطلبون منه الغوث والنصر على عدوكم ،الذي جاء بخيله ورجله ،فأجاب الله دعائكم واستغاثتكم ،وأخبر نبيكم – صلى الله عليه وسلم – بأني ممدكم بألف من الملائكة ،مردفين أي: متتابعين ،بعضهم إثر بعض ،أو إن الله تعالى جعلهم خلف المسلمين لتقويتهم وتثبيتهم .
وقد وردت استغاثة الرسول صلى الله عليه وسلم بالله يوم بدر في صحيح البخاري ومسلم وفي كتب السنن والسير .
جاء في تفسير المنار عن ابن اسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلانها وفخرها ،تجادل وتكذب رسولك ،اللهم فنصرك الذي وعدتني ".
كما روى سعيد بن منصور من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وتكاثرهم ،وإلى المسلمين فاستقلهم فركع ركعتين وقام أبو بكر عن يمينه ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته:"اللهم لا تودّع مني ،اللهم لا تخذلني ،اللهم لا تترني – أي: لا تقطعني عن أهلي وأنصاري ،أو لا تنقصني شيئا من عطائك – اللهم أنشدك ما وعدتني "xi .
سؤال وجواب
إن قيل: أن هذه النصوص يؤخذ منها أن هذه الاستغاثة كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فلماذا أسندها القرآن إلى المؤمنين ؟فالجواب: أن المؤمنين كانوا يؤمنون على دعائه صلى الله عليه وسلم ،ويتأسون به في الدعاء فنسبت الاستغاثة إلى الجميع .
وإن قيل: إن الله تعالى ذكر هنا أنه أمدهم بألف من الملائكة وذكر في سورة آل عمران أنه أمدهم بأكثر من ذلك فكيف الجمع بينهما ؟
أجيب بالآتي:
1 – جاء في تفسير أبي السعود:
وقرئ بآلاف ليوافق ما في سورة آل عمران ،ووجه التوفيق بينه وبين المشهور: أن المراد بالألف الذين كانوا على المقدمة أو الساقة أو وجوههم وأعيانهم ،أو من قاتل منهم ،واختلف في مقاتلتهم وقد روى أخبار تدل على وقوعهاxii .
2 – جاء في سورة آل عمران في الآيات 123 – 125 .
أن الله أمد المؤمنين بثلاث آلاف ثم صار المدد بخمسة آلاف من الملائكة .
قال تعالى:{ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون * إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى أن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين} .
و لا منافاة بين ما ورد في سورة الأنفال وما ورد في سورة آل عمران ،فقد كان المدد أولا بألف مردفين ،أي: يتبعهم ويردفهم ملائكة آخرون .
وقد بينت سورة آل عمران أن العدد كان بثلاثة آلاف ،ثم رفع إلى خمسة آلاف .
وذهب بعض المفسرين إلى أن المدد المذكور في سورة آل عمران كان متعلقا بغزوة أحد ،فلا إشكال بين ما ورد في السورتين .
قال الحافظ ابن كثر في التفسير:"واختلف المفسرون في هذا الموعد: هل كان يوم بدر أو يوم أحد على قولين: "
أحدهما: أن قوله تعالى:{إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة} .متعلق بقوله:{ولقد نصركم الله ببدر} . ( آل عمران: 123 ) .
وهذا قول الحسن والشعبي والربيع بن أنس وغيرهم .
فإن قيل فكيف الجمع بين هذه الآيات- التي في سورة آل عمران ،وبين قوله في سورة الأنفال:{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين}
فالجواب أن التنصيص على الألف هنا ،لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها لقوله تعالى:{مردفين} بمعنى: يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم ،قال الربيع بن أنس ،أمد الله المسلمين بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ،ثم صاروا خمسة آلاف .
والقول الثاني: يرى أصحابه أن هذا الوعد وهو قوله تعالى:{إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة} .متعلق بقوله – قبل ذلك:{وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم} . ( آل عمران: 121 ) .
وذلك يوم أحد وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك وغيرهم .
لكن قالوا: لم يتم الإمداد بالخمسة الآلاف ؛لأن المسلمين يومئذ فروا ،وزاد عكرمة: ولا بالثلاثة الآلاف ،لقوله:{بلى أن تصبروا وتتقوا} فلم يصبروا بل فروا فلم يمدوا بملك واحد .