{مُرْدِفِينَ}: من أردفه ،إذا ركب وراءه .
مناسبة النزول
في المجمع: «قال ابن عباس: لما كان يوم بدر ،واصطف القوم للقتال ،قال أبو جهلٍ: اللهم أولانا بالنصر فانصره ،واستغاث المسلمون ،فنزلت الملائكة ونزل قوله:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} إلى آخره .
وقيل: إنّ النبي لما نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلّة عدد المسلمين ،استقبل القبلة وقال: اللهم أنجز لي ما وعدتني ،اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض .فما زال يهتف ربَّه مادّاً يديه ،حتى سقط رداؤه من منكبيه ،فأنزل الله:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} »
ميزان القوّة الظاهري يميل لمصلحة قريش
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} .فقد كان الجوّ يوحي بالتوتّر وينذر بالخوف ،لأن ميزان القوّة لم يكن متعادلاً ،بل كان يميل إلى جانب العدو .فقد كان جيش قريش يقارب الألف رجل ،بينما كان أصحاب رسول الله( ص ) ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً .وكان في عسكره فَرَسان وسبعون جملاً كانوا يتعاقبون عليها ،ولم يكن عندهم سلاح بالكمية والنوعية التي يتميز بها سلاح قريش ،وكانت أول تجربة للمسلمين في المعارك بهذه الصفة ،وكان جوّهم يوحي بالقوّة الروحية الواثقة بحقها من خلال الثقة بربها ...ولكن هناك فرقاً بين الأسلوب الإيحائي بالقوة المادية ،الذي يعبّر عن نفسه ،باستعراض الأدوات التي تتحرك فيها القوّة ،بأساليب التخويف والتهويل ،وبين الأسلوب الإيحائي بالقوة الروحية الذي يعبر عن نفسه بالابتهال إلى الله ،والرجوع إليه ،والانسحاق بين يديه ،والشعور بالحاجة إلى الإمداد الإلهي في ما يوحي به من الروح المطمئنة ،والإرادة القوية ،والشعور الهادىء ،ولذلك كانت المعركة غير المتكافئة منطلقاً للأجواء الروحية التي انطلق المسلمون معها بقيادة الرسول للاستغاثة بالله ،بعيداً عن كل الأجواء الاستعراضية .فقد كانوا في شغل شاغلٍ عن الفكرة التي توحي للمشركين بأنهم أقوياء ،وكان همّهم الكبير أن يحصلوا على الإمداد الإلهي ،ليحصلوامن خلالهعلى الشعور الداخلي بالقوّة ،الذي يدفع بهم إلى الثبات والصمود والاندفاع في المعركة ،ليكون ذلك هو الإيحاء الحقيقي للمشركين بالمعنى العميق للقوّة لدى المسلمين .
إمداد المسلمين بألف من الملائكة مردفين
وهذا ما أراد القرآن الكريم التعبير عنه في حديثه عن استغاثة المسلمين بالله .وقيل إن النبي قد بدأ ذلك لمّا نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلَّة عدد المسلمين ،فاستقبل القبلة وقال: اللهمّ أنجز لي ما وعدتني ،اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ،فما يزال يهتف لربّه ويداه ممدودتان حتى سقط رداؤه عن منكبيه .وكانت الاستجابة الإلهية بالألطاف الغيبية المتنوعة التي جعلتهم يعيشون حركة الواقع في أجواء الغيب .{فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْملائِكَةِ مُرْدِفِينَ} .والإرداف هو أن يجعل الراكب ردفاً لغيره .
«وبهذا المعنى تلائم الآية ما في قوله تعالى في ما يشير به إلى هذه القصة في سورة آل عمران:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ*إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْملائِكَةِ مُنزَلِينَ* بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ*وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [ آل عمران:123126] .فإن تطبيق الآيات من السورتين يوضح أن المراد بنزول ألف من الملائكة مردفين ،نزول ألف منهم يستتبعون آخرين ،فينطبق الألف المردفون على الثلاثة آلاف المنزلين »[ 2] .وهذا ما ذكره صاحب تفسير الميزان ،ولعلَّ هذا أقرب من الوجوه الأخرى التي ذكرها المفسرون .وكانت هذه الاستجابة الإلهية مصدر قوّةٍ روحية كبيرة ،في ما أثارته في نفوسهم حركة الملائكة في المعركة بما كانوا يحملونه في أفكارهم عن القوّة الغيبيّة التي يتمتع بها هؤلاء .ولكن الملائكة الذين أنزلهم الله إلى ساحة المعركة ،لم تكن مهمتهم قتاليّةً ،لأن الله لم يرد للمسلمين أن يستسلموا للاسترخاء ،على أساس الاعتقاد بأن الملائكة جاءت لتقاتل بالنيابة عنهم .ولو كان الأمر كذلك ،لما كانت هناك حاجةٌ ملحّةٌ لأيّة معركة وأيّ قتال ،لأن القوة الغيبيّة كفيلةٌ بتصفية جميع الأعداء ،بل كانت مهمتهم تطمينيةً نفسية ،