قوله:{يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال}{حرض} ،من التحريض وهو الحث والإحماء{[1690]} يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحث المؤمنين ويحضهم حضا على قتال الأعداء في شجاعة وإقدام ؛فلا يجبنوه ولا ينثنون ولا يتخاذلون ولا يولون الأدبار عند اللقاء ؛فإنه لا يولي دبره عند اللقاء خائرا إلا الأنذال والخاسرون .ومن أجل ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض المؤمنين على القتال وعند مواجهة عدوهم .ونظير ذلك ما قاله لأصحابه يوم بدر حين أقبل المشركون في أعدادهم وجموعهم: ( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ) .
قوله:{إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} ذلك تبشير من الله للمؤمنين بالنصر إن واجه الواحد منهم العشرة من الكافرين .لسوف ينصر الله المؤمنين على قلتهم إن كانوا صابرين ثابتين محتسبين .ثم نسخ هذا التكليف وبقيت البشارة وذلك أنه شق عليهم حين فرض الله عليهم أن لا يفر الواحد منهم من العشرة من الكافرين في القتال .وروي عن ابن عباس قال: لما نزلت{إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} شق ذلك على المسلمين حتى فرض الله عليهم أن لا يفر واحد من عشرة ثم جاء التخفيف فقال:{الآن خفف الله عنكم} إلى قوله:{يغلبوا مائتين} وروي البخاري نحوه .وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال: كتب عليهم أن لا يفر عشرون من مائتين .ثم خفف الله عنهم فقال:{لآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} فلا ينبغي لمائة أن يفروا من مائتين .
وقال محمد بن إسحاق عن ابن عباس: نزلت هذه الآية ثقلت على المسلمين وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين ،ومائة ألفا .فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى فقال:{الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم يسغ لهم أن يفروا من عدوهم .وإذا كانوا دون ذلك لم يجب عليهم قتالهم وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم .
قال القرطبي في ذلك: حديث ابن عباس يدل على أن ذلك فرض .ولما شق ذلك عليهم حط الفرض إلى ثبوت الواحد للاثنين .فخفف عنهم وكتب عليهم ألا يفر مائة من مائتين ؛فهو على هذا القول تخفيف لا نسخ .وهذا حسن{[1691]} .
قوله:{بأنهم قوم لا يفقهون} أي بسبب أن الكافرين سخفاء ،وأنهم تافهون أشقياء يقاتلون في سبل الشيطان ،ويموتون من أجل الباطل ؛حيث الأهواء والشهوات والسفاسف الرخيصة ،غير عابئين بمرضاة الله ولا مكترثين بأيما احتساب للثواب عنده ؛فلا يستحقون بذلك من الله نصرا .إنما النصر للمؤمنين الذين يقاتلون على بصيرة طلبا لمرضاة الله وسعيا لنشر الحق والعدل وإشاعة الفضيلة والرحمة بين الناس .
وقد بينا آنفا أن الله خفف عن المسلمين في عدد الذين يتوجب عليهم الثبات عند اللقاء فلا يفرون ؛فأوجب عليهم أن لا يفر الرجل من الرجلين ،وأن تصبر العشرة للعشرين ،والمائة للمائتين ،فإنهم ؛إن أعدوا وصبروا وتوكلوا على الله ،فإن الله ناصرهم ،وهازم عدوهم{[1692]} .