{حَرِّضِ}: والتحريض والحضّ والحثّ بمعنى ،وهو الترغيب في الفعل بما يبعث على المبادرة إليه .
{يَفْقَهُونَ}:الفقه: أبلغ وأغزر من الفهم .
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} فإن المعركة الفاصلة بين الإيمان والشرك تفرض تقوية الموقف ،وشدَّ العزيمة ،وشحذ الهمم ،ولا بدّ للنبي من أن يقوم بدور فاعل في حثّ المؤمنين على القتال ،لا سيما مع القوة القليلة عدداً وعدةً التي يملكها المسلمون في مقابل كثرة العدد والعدة لدى المشركين .وقد أراد الله لنبيّه أن يدعوهم للصبر الذي يدفعهم إلى مواجهة الالام والمشاكل والتحديات التي تفرضها المعركة ،بروحٍ قويّةٍ راضيةٍ مطمئنةٍ فرِحةٍ بالجهد الذي تقدمه أمام الله ،ليستنفروا كل طاقاتهم ،ويحوِّلوها إلى طاقةٍ واحدةٍ مضاعفةٍ ،بحيث يتحرك الواحد منهم في مقابل عشرة رجال{إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ} .ولا بد في ذلك من جهدٍ عظيم في المعاناة ،وفي الاستعداد النفسي الداخلي المنطلق من وعي الإيمان ،وقوة الثقة بالله وبما عنده من الثواب ،مما يجعل الإنسان يقابل الموت بدون اكتراث ،ويجابه الأعداء بكل قوة .
{وَإِن يَكُنْ مُّنكُمْ مِّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} ولا يعقلون الأسس التي يرتكز عليها النجاح في الدنيا والآخرة ،ولا يعرفون أنّ هؤلاء الذين يعبدونهم من دون الله لا ينفعونهم شيئاً لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ،ولا يدفعون عنها ضرّاً ...ومن خلال ذلك ،فهم لا يحملون عمق الفكرة التي تهزُّ وجدانهم وتطهّر مشاعرهم ،وتثير في داخلهم الامتداد في حركة الحياة أمام قضية المصير ،ولذا فإنهم لا يملكون روح الثبات في المعركة ،لأنهم لا يرتبطون بالهدف الحقيقي الذي يبدأ من موقع الفكر والروح ليمتد في ساحة المعركة ،ممَّا يجعلهم لا يملكون أساساً للقوة ،كما يجعل هذه الدعوة الإلهيةفي ما يريده من مستوى المواجهةدعوةً واقعية تتحرك في دائرة الإمكانات المعقولة للمؤمن القويِّ الواعي في صبره ،الصابر في كل تطلّعاته ومواقفه ...وربما كان هذا التفصيل في ذكر العشرين في مقابل المائتين ،وفي ذكر المائة في مقابل الألف ،للتأكيد عليهم في أن عددهمفي معركة بدرالذي يبلغ الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً ،يتفوق في القوة الصابرة ،على عدد الألف الذي يبلغه جيش قريش ،لأنه سيتحول إلى أكثر من ثلاثة آلاف رجل يقابلون ألف رجل ؛والله العالم .