قوله تعالى:{إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بضع والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير 72 والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} .
هذا بيان من الله بأصناف المؤمنين ؛إذ قسمهم إلى ثلاثة أصناف وهم:
الصنف الأول: المهاجرون ،الذين خرجوا من ديارهم وأموالهم وجاءوا لينصروا الله ورسوله وإقامة دينه وترسيخ منهجه في الأرض .وبذلوا في ذلك أنفسهم وأموالهم .وذلك كله مقتضى قوله تعالى:{إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله} .
الصنف الثاني: الأنصار .وهم المسلمون من أهل المدينة الذين أووا إخوانهم المهاجرين في منازلهم وواسوهم في أموالهم ونصروا الله ورسوله بالقتال مع المؤمنين المهاجرين لصد الشرك والمشركين .وكلا هذين الصنفين من المؤمنين{بعضهم أولياء بعض} أولاء من الولاية .وقيل: المراد بها هنا الميراث .وهو قول ابن عباس .وبذلك جعل الله سبب الإرث الهجرة والنصرة دون القرابة ؛فالقريب الذي آمن ولم يهاجر ؛فإن ما كان يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر .فكانوا بذلك يتوارثون إرثا مقدما على القرابة حتى نسخ الله ذلك بآية المواريث وبقوله تعالى:{وأولوا الأرحام بعضهم إلى ببعض} .
وقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عبد الله البجلي ( رضي الله عنه ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة ) .
وقيل: المراد بالولاية النصرة والمعونة .والمقصود أن المسلمين جميعا إخوة ،سواء فيهم المهاجرون والأنصار .فهم يد واحدة على الأعداء .وهذا هو الراجح والصواب ؛فإن لفظ الولاية غير مشعر بمعنى الميراث بل إنه مشعر بالقرب والمناصرة .وذلك هو شأن المؤمنين الصادقين في كل زمان ؛فغنهم إخوان متناصرون ومتآزرون .
الصنف الثالث: وهم المؤمنون الذين لم يهاجروا لب أقاموا في بواديهم وفي مكة .وهم المعنيون بقوله:{والذين آمنوا ولم يهاجروا} .
قوله:{ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} أي هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا معكم ولم يفارقوا دار الكفر إلى دار الإسلام ؛فإنه ليس لكم أيها المؤمنون المهاجرون{من ولايتهم من شيء} يعني من نصرتهم وإعانتهم أو ميراثهم{حتى يهاجروا} فإن هاجروا من دار الكفر إلى دار الإسلام ؛كان لهم ما للصنف الأول وهم المؤمنون المهاجرون .
قوله:{وإن استنصركم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق} أي إن طلب هؤلاء الأعراب الذين آمنوا ولم يهاجروا –النصرة منكم في قتال عدو لهم في الدين فانصروهم ؛فغنه واجب عليكم نصرهم ؛لأنهم إخوانكم في الدين ،أما إن طلبوا منكم النصرة في قتال قوم من الكفار بينكم وبينهم ميثاق أو مهادنة إلى مدة معلومة ،فلا تخفروا{[1701]} ذمتهم ،ولا تنقضوا أيمانكم معهم .
قوله:{والله بما تعلمون بصير} وهذا تحذير من الله للمؤمنين أن يتعدوا ما شرعه لهم وأوجبه عليهم .