قوله:{والذين كفروا بعضهم أولياء بضع} أي أن الكافرين بعضهم أعوان بعض وأنصاره .وبعضهم أحق ببعض من المسلمين .فبعضهم أحق ببعض في النصرة والعون وفي الميراث ،هم أحق ببعضهم في ذلك من قرابتهم من المسلمين .وبذلك قطع الله الولاية بين الكفار والمؤمنين فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض ،والكفار بعضهم أولياء بعض ،يتناصرون بدينهم ويتعاملون تبعا لملتهم .وعلى هذا لا يكون مؤمنا من كان مقيما بدار الحرب ولم يهاجر .وقد ذكر أن الرجل كان ينزل بين المسلمين والمشركين ،يقول إن ظهر هؤلاء كنت معهم .وإن ظهر هؤلاء كنت معهم ،فأبى الله عليهم ذلك .وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أنا بريء من كل مسلم بين ظهراني المشركين ) ثم قال: ( لا يتراءى نارهما ) ،وأخرج أبو داود عن حبيب بن سليمان بن سمرة بن جندب قال: ما بعد ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من جامع المشرك وسكن معه فغنه مثله ) .
وفي انقطاع الولاية بمعنى الميراث ،بين المسلم والكفار أخرج الحاكم في مستدركه عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يتوارث أهل ملتين ،ولا يرث مسلم كافرا ،ولا كافرا مسلم ) ثم قرأ:{والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} .وفي المسند والسنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يتوارث أهل ملتين شتى ) .
قوله:{إلا تفعلوه تكن فتنة في ارض وفساد كبير}{تكن} ،تامة بمعنى: تقع .وهي لا تفتقر إلى خبر .وفتنة مرفوعة به ارتفاع الفاعل بفعله{[1702]} .يعني إذا لم تفعلوا ما أمرتكم بع من التعاون بينكم ،والنصرة على الدين{تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} والمراد بالفتنة هنا ،اختلاط المسلمين بالكافرين في الوقت الذي يكون فيه البأس والشوكة للكفر والكافرين ،لا جرم أن ذلك سبب كبير وجد خطير يفضي في الغالب بالمسلمين تحت سطوة الشرك أن يصيروا مشركين ،أو يتبدل فيهم كثير من سمات الإسلام بقيمه وأخلاقه وخصاله ؛فيكونوا نظراء الكافرين أنفسهم .وذلك هو شأن المسلم الذي يستظل بظل الكفر والكافرين إذا لم يجد لنفسه من حوله من صحبة المسلمين من يؤنسه ويذكره بأمور دينه ،فلسوف تجتاحه محاذير التفكك والانحلال من ربقة الإسلام شيئا فشيئا .وتلكم فتنة كبيرة .وذلكم فساد عريض .لكن المسلم إذا بات في بلده وأهله غير آمن على نفسه من عدوان الظالمين المتسلطين من حكام المسلمين .الحكام الطغاة المجرمين الذين يسوسون المسلمين بالقهر والقسر والطغيان ،ويحكمون بغير ما أنزل الله ؛فلا حرج عليه عندئذ وفي مثل هذا الظرف العجيب الغريب الذي يهجر فيه المسلم بلده ليأوي إلى ديار الكافرين حيث الأمن والاستقرار .والمسلم في ذلك إنما يختار لنفسه أهون الضررين{[1703]} .