هذه حدود ولاية المؤمنين ، ولقد ذكر سبحانه وتعالى ولاية الكفار بعضهم مع بعض ، وعدم ولايتنا معهم ، فقال تعالى:{ وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} .
إذا كان المؤمن لا يوالي إلا مؤمنا ، ولا تكون له المحبة والولاية إلا المؤمن مثله ، فلا تكون ولايته لغيره ،{ وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} ، أنهم لا يكونون إلا أولياء لأنفسهم ، فالمسلمون ولايتهم للإسلام ، والكفار لا يتولون ولا يصح لمسلم أن يتولاهم كما قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( 51 )} ( المائدة ) ، والولاية هنا النصر ، أي أن الكافر نصير الكافر ، ولا يصح أن ينصر المسلم الكافر ، والنص يتضمن ذلك المعنى ، أي أنه لا تناصر بين المسلم والكافر ، ولا تناصر إلا بين الكافر والكافر .
وقوله تعالى:{ إلا تفعلوه} الضمير هنا يعود على التناصر بين المسلم والكافر بأن يستنصر المسلم بالكافر أو ينصر المسلم ، ونفيه مفهوم ضمنا من اختصاص الولاية للمؤمن بأن تكون مع مؤمن ، واختصاص الولاية للكافر بألا تكون إلا لكافر ،{ وإلا تفعلوه} هي ( إن ) المدغمة في ( لا ) النافية ، ففعل الشرط ( لا تفعلوه ) ، ومعنى إلا تفعلوه أي إن لا تتقوا تناصركم معه ، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ، والمعنى إن كنتم تناصرون بهم فتستنصرون بهم وتنصرونهم تكن فتنة في الأرض وفساد ، لأن نفي النفي إثبات ، ومؤدى ذلك:إن كنتم لا تتباعدون عن المناصرة فيهم تكن فتنة في الأرض وفساد كبير .
وذلك حق ؛ لأن أقبح الفتنة أو أشدها أن يكون ولاء المؤمن للكافر ، بأن يكون للولي ناصرا ، ومستنصرا فإن ذلك يفتن المسلمين عن دينهم ، ويجعلهم في ولاء للكافرين ، والله تعالى يقول:{ لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ( 13 )} ، ( الممتحنة ) ، فتوليهم فتنة تفتن المؤمن عن دينه وفي خلقه ، وتجعل تعاونه مع الكفار ، وفيه فساد كبير فيه قوة للكفر ، وضعف للإيمان وأي فساد أكبر .
وإن الفساد الذي أصاب المسلم الآن ، والفتنة التي يموج فيها المؤمنون ، إنما هي من ولاء المؤمنين للكافرين كما ترى ذلك في ساسة المسلمين منذ ضعفوا ، فقد ازدادوا ضعفا بهذا الولاء ، وكان أمر المسلمين إلى بوار ،{ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ( 55 ) ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ( 56 )} ( المائدة ) .