{ءَاوَواْ}َ: الإيواء: ضمّ الإنسان غيره إليه بإنزاله عنده وتقريبه إليه .
{أَوْلِيَآءُ}: الولاية: عقد النصرة للموافقة في الديانة .
ضرورة موالاة المؤمنين والامتناع عن موالاة الكافرين
وهذه نهاية المطاف في سورة الأنفال التي كانت بدايتها في أجواء المؤمنين الذين يعيشون الإيمان كموقفٍ للفكر وللروح وللحياة ...وجاءت نهايتها لتحدّد ملامح المؤمنالموقف ،في مواجهة الكافرالموقف ،ولتؤكد الولاية عند كل فريق على أساس الانسجام في الخط والعمل ،ولتحدثنا عن المؤمن الذي يعيش الإيمان فكراً ويتهرب من تحمل مسؤولية الموقف ،لتؤكد أن لا ولاية بينه وبين المؤمنين الآخرين إلا في نطاقٍ محدودٍ جداً ،ولتوحيفي نهاية المطافبأن الساحة جاهزة لاستقبال الطلائع الإيمانية التي تكمل المسيرة في المراحل القادمة ،لتكون جزءاً من المسيرة الواحدة التي تتحرك في خطوط متصلة ،من نقطة البداية إلى نقطة النهاية ،من خلال الفكر الواحد ،والخط الواحد ،والهدف الواحد على أساس الإيمان بالله الواحد وبرسله وباليوم الآخر .
الله يقرر الولاية بين المهاجرين والأنصار من المؤمنين
{إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ} من مواقع الضعف إلى مواقع القوة ،وتركوا كل ما يربطهم بالدنيا وراءهم ليستقبلوا الآخرة برسالية المؤمن الداعية المجاهد ،الذي يبذل كل شيء من أجل الله .{وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فلم يدّخروا جهداً ولا طاقةً ،ولم يتركوا روحاً إلاّ ووجهوها في خط الجهاد في سبيل الله ،لأن أملاكهم ووجودهم هي ملك لله ...وهؤلاء هم الطليعة الأولى من المهاجرين مع رسول الله إلى المدينة .{وَالَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُواْ} رسول الله( ص ) والمؤمنين المهاجرين معه ،وهم الأنصار .{أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} ،لأن الإيمان بالله والجهاد في سبيله والنصرة لدينه ،تمثل العلاقة الوثيقة التي تعلو وتفوق كل علاقةٍ أخرى ،بما فيها علاقة القرابة من ناحية العمق والامتداد ،ولهذا فإن لبعضهم البعض حق الولاية بالنصرة والمودّة والأمن ،فلكل واحدٍ منهم أن يمنح الأمان لأيّ شخصٍ من الكفار ،وعلى الآخرين أن ينفذوا ذلك .وهناك فريق آخر ،وهم المؤمنون الذين لم يهاجروا ،ممن لم يكونوا مستعدين للتضحية بشيءٍ من المال والأرض والنفس ،فلم يتحول الإيمان عندهم إلى موقف ،بل بقي لديهم مجرّد فكرٍ وشعور .
وجوب نصرة المؤمنين غير المهاجرين في حال الاستنصار
{وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن ولايَتِهِم مِّن شَيْءٍ} فليس بينكم وبينهم علاقة ،لأن الإيمان وحده غير كافٍ في تعميق العلاقة .{حَتَّى يُهَاجِرُواْ} فيكونوا مع المهاجرين ويتساووا معهم في الولاية .{وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ} على أعداء الإسلام الذين اضطهدوهم واعتدوا عليهم ،{فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} لأنهم يملكون ولاية النصرة ،فعلى المؤمن أن ينصر أخاه المؤمن على الكافرين المعتدين .{إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} ،لأن الميثاق بينكم وبينهم يمنع من الاعتداء عليهم حتى في هذه الحالة .{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فعليكم أن تراقبوه بشكلٍ دقيق ،لأنه يراقبكم بدقّةٍ أكثر ويعرف منكم ما لا تعرفونه من أنفسكم .