قوله تعالى:{يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون 32 هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} .
يريد الكافرون من أهل الكتاب والوثنين والملحدين وغيرهم من أهل الكفر{أن يطفئوا نور الله} وهو القرآن الكريم ؛فهو أصل الإسلام كله .الدين الكبير الشامل الذي يتناول القضايا والمشكلات والمسائل البشرية كافة .ذلكم الإسلام العظيم الرحب يريد الكافرون على اختلاف مللهم ونجلهم ومذاهبهم أن يطفئوه بأفواههم .وذلك بأقاويلهم الباطلة وافتراءاتهم الكاذبة التي يثيرونها في كل مكان ومجال .وذلك هو ديدن الكافرين في كل الأزمنة ،وخصوصا في هذا العصر الذي تنشط فيه أفواه الظالمين من خصوم الإسلام من استعمارين وصليبين وصهيونيين ووثنين ومحلدين وعملاء .كل أولئك يريدون أن يطفئوا نور الإسلام بما يبثونه وينشرونه من الكلمات والخطابات المنطوقة ،لا يبتغون من ذلك إلا تشويه الإسلام والإساءة إلى سمعته وروعته وصلوحه .
ويلحق بما يخرج من الأفواه ما تخطه أقلام الظالمين والمعوقين الذين يصدون عن منهج الله ،والذين يحرضون البشرية على الشرود والنفور من الإسلام وجنبته والارتداد عنه .ومجال الأقلام في محاربة الإسلام هائل وخطير وبالغ التأثير ؛فإن الأقلام التي تخط المقالات والمنشورات والكتب في محاربة الإسلام وصد الناس عن هذا الدين لهي فظيعة وخبيثة ومؤثرة .وكم عانى المسلمون من افتراءات الكافرين الظالمين الذين يشنعون على المسلمين في سمعتهم وقيمهم وأخلاقهم وعاداتهم تشنيعا !وكم واجه الإسلام نفسه من أباطيل أعدائه المتربصين الذين يكيدون له طيلة الزمان كيدا!وذلك بمختلف الأساليب في التشويه والتشكيك والتنفير للحيلولة بين البشرية وهذا الدين .
ولقد بلغ الكافرون والمتربصون غاياتهم في تشويه الإسلام بما تخطه أيديهم الأثيمة من مقالات السوء والافتراء ،واصطناع الشبهات والأكاذيب الملفقة عن الإسلام .وبالرغم مما يبذله المشركون والحاقدون العتاة من هائل الطاقات المنطوقة والمخطوطة والمصورة في الكيد لهذا الدين من اجل تدميره أو استئصاله ؛فإن هذه الجهود والطاقات لسوف تبوء بالفشل الذريع .وهو قوله سبحانه وتعالى:{ويأتي الله إلا أن يتم نوره} وذلك قرار رباني كبير وخالد لا يقبل الشك أو الجدل ؛وهو أن هذا الدين لا جرم قائم ،وأنه شائع في الآفاق وفي سائر أنحاء الدنيا ؛فقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( عن الله زوى{[1761]} لي الأرض مشارقها ومغاربها ،وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ) .
وروي الإمام أحمد بإسناده عن تميم الداري ( رضي الله عنه ) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال: ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنها .ولا يترك الله بيت مدر ولا بر إلا أدخله هذا الدين يعز عزيزا ويذل ذليلا ؛عزا يعز الله به الإسلام ،وذلا يذل الله به الكفر ) .
ولئن ظهر الإسلام وشارع في العصور الفائتة تحقيقا قوله تعالى:{ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} فإن عود الإسلام من جديد كيما يهيمن على الواقع البشري كله ليس بالأمر البعيد .بل إن ذلك مرهون بالأسباب التي تفضي بالضرورة لهيمنة الإسلام وتطبيق شريعته في المجتمع .وسبيل المسلمين لهذا الأمل الكبير المنتظر أن يتلاقوا جميعا على عقيدة التوحيد بعيدا عم كل ألوان الشرك والنفاق والرياء والفرقة والأثرة .وأن تترسخ في قلوبهم حقيقة التقوى وهي الخوف من الله وحده دون أحد سواه .وأن تتركز بينهم آصرة الأخوة في العقيدة والدين فتسمو هذه على كل الأواصر المحدودة الأخرى .وأن يتهيأوا لليوم الفاصل الذي يواجهون فيه أعدائهم المتربصين فيستعيدون لذلك كامل الاستعداد من غير تفريط ولا تقصير ولا تردد .فيتزودون لذلك بزاد القوة الكافية التي يرهب بها المسلمون عدو الله وعدوهم .وهذه إحدى الوسائل التي لا مناص من التلبس بها ؛لأن أعداء الله لا تردعهم أساليب المجادلات والمحاورات المنطقية ،ولا يصدهم الخلق الكريم ،أو التعامل بالرفق والمودة واللين ،إن أعداء الله لا يردعهم ولا يصدهم عن الشر والعدوان على المسلمين إلا قوة السلاح المرعب بكل ما تعنيه القوة من الأسباب العلمية والتقنية والمادية والعسكرية .وهو مقتضى قوله تعالى:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} وبغير ذلك لسوف يبقى الظالمون والأشرار يعتدون على الإسلام والمسلمين ،فيكيلون لهم الضربات والويلات بغير رادع ولا انقطاع .
وعلى أية حال ؛فإن الإسلام باق لا يزول ولا يفنى مهما طغى عليه العتاة والمتجبرون .ومهما تزاحمت من حوله المؤامرات والخيانات والافتراءات .إن الإسلام باق بقاء الشمس والقمر ،وبقاء النجوم والكواكب التي توجب أجواز الفضاء بغير انقطاع ولا توقف حتى تقوم القيامة ؛لأن الإسلام قدر رباني حكيم وثابت .وظاهرة كونية كبرى من ظواهر هذا الوجود المستديم إلى قيام الساعة ؛وبذلك لا تقوى قوى البغي والظلام والعدوان والشر على استئصال الإسلام من الدنيا .وهو بالرغم من يعتريه الآن من ظواهر الضعف والاضطراب لفرط ما يحيق به من كيد وتآمر ولكثافة الضربات التي يوجهها إليه الظالمون والأشرار ؛فإنه لن يفنى ولن يزول بل إنه راسخ ومستطير وسيعاود الظهور والاستعلاء لا محالة ؛ليظهر على العالمين بإذن الله .وهذا مقتضى قوله سبحانه:{وهو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} .