وفي الآية الثّالثة من الآيات محل البحث تشبيه طريف لسعي اليهود والنصارى ،أو سعي جميع مخالفي الإِسلام حتى المشركين ،وجدّهم واجتهادهم المستمر «العقيم » الذي لا يعود عليهم بالنفع أبداً ،إِذ تقول الآية: ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يُتمّ نورَهُ ولو كره الكافرون ) .
ملاحظات
1شُبِّه الديندين اللهفي هذه الآية وفي القرآنُ وتعاليم الإسلام بالنور ،ونحن نعرف أن النّور أساس الحياة والحركة والنمو والعمران على الأرض ومنشأ كل جمال .
والإِسلام دين يحرّك كل مجتمع إِنساني نحو التكامل ،وهو أساس كل خير وبركة .
كما شُبّه اجتهاد الكافر بالنفخ بالأفواه وكم هو مثير للضحك أن يحاول الإِنسان إطفاء نور عظيم كنور الشمس بنفخة ؟ولا تعبير أبلغ من تعبير القرآن لتجسيد هذه المحاولات اليائسة ،وفي الواقع فإنّ محاولات مخلوق ضعيف إِزاء قدرة الله التي لا نهاية لها ،لا تكون أحسن حالا ممّا ذكرته الآية .
2ورد موضوع محاولة إطفاء نورى الله في القرآن في موردين: أحدهما في الآية محل البحث ،والآخر في الآية ( 8 ) من سورة الصف ،وفي الآيتين انتقاد للكفار ومحاولات أعداء الله اليائسة ،إلاّ أن بين تعبيري الآيتين تفاوتاً يسيراً ،إِذ جاء التعبير في الآية محل البحث ( يريدون أن يطفئوا ) إلاّ أن الآية ( 8 ) من سورة الصف جاء فيها التعبير ( يريدون ليطفئوا ) .
وممّا لا شك فيه أن هذا التفاوت أو الاختلاف اليسير في التعبير القرآني لغاية بلاغية .
يقول الراغب في مفرداته موضحاً الفرق بين ( أن يطفئوا ) و( ليطفئوا ): إِنّ الآية الأُولى تشير إِلى محاولة إطفاء نور الله بدون مقدمات ،أمّا الآية الأُخرى فتشير إِلى محاولة إطفائه بالتوسل بالأسباب والمقدمات ،فالقرآن يريد أن يقول: سواء توسّلوا بالأسباب أم لم يتوسلوا فلن يفلحوا أبداً ،وعاقبتهم الهزيمة والخسران .
3كلمة «يأبى » مأخوذة من الإِباء ،ومعناه شدة الامتناع وعدم المطاوعة ،وهذا التعبير يثبت إِرادة الله ومشيئته الحتمية لإِكمال دينه وازدهاره كما أنّ التعبير مدعاة لاطمئنان جميع المسلمين ،إن كانوا مسلمين حقّاً !أنّ مستقبل دينهم لا بأس عليه ،بل هو مؤيد بأمر الله .