المستقبل للإسلام:
الآية الأخيرة من الآياتمحل البحثفي نهاية المطاف تزف البُشرى للمسلمين باستيعاب الإِسلام العالم بأسره ،وتكمل ما أشارت إِليهآنفاًأن أعداء الإِسلام لن يفلحوا في محاولاتهم ومناوآتهم بوجه الإسلام أبداً ،وتقول بصراحة: ( هو الذي أرسَل رسولَه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون ) .
والمقصود من الهدى هو الدلائل الواضحة ،والبراهين اللائحة الجليّة التي وُجِدَتْ في الدين الإسلامي .
وأمّا المراد من دين الحق ،فهو هذا الدين الذي أُصوله حقّة وفروعه حقّة أيضاً ،وكل ما فيه من تاريخ وبراهين ونتائج حق ،ولا شك أن الدين الذي محتواه حق ،ودلائله وبراهينه حقّة ،وتأريخه حق جلي ،لابدّ أن يظهر على جميع الأديان .
وبمرور الزمان وتقدم العلم وسهولة الارتباطات ،فإن الواقع سيكشف وجهه ويطلعه من وراء سُدُلِ الإِعلام المضللة ،وستزول كل العقبات والموانع والسدود التي وضعت في طريق انتشار الإسلام .
وهكذا فإنّ دين الحق سيستوعب كل مكان ،ولا يحول بينه وبين تقدمه شيء أبداً ،لأنّ الحركات المضادة للإِسلام حركات مخالفة لسير التأريخ وسنن الخلق .
بحوث
1المراد ب «الهدى ودين الحقّ »
هذا التعبير الوارد في الآية محل البحث: ( أرسل رسوله بالهدى ودين الحق )بمثابة الدليل على انتصار الإِسلام وظهوره على جميع الأديان ،لأنّه لمّا كان محتوى دعوة النّبي الهداية ،والعقل يدل على ذلك في كل موطن ،ولما كانت أُصوله وفروعه موافقة للحق ،ومع الحق ،وتسير في مسير الحق ،ولأجل الحق .فهذا الدين سينتصر على جميع الأديان طبعاً .
وقد جاء عن أحد علماء الهند أنّه سبر فكره في مطالعة مختلف الأديان فترة من الزمن ،وانتهى أمره إِلى اختيار الدين الإِسلامي من بين جميع أديان العالم ،ثمّ نشر كتاباً بالإِنجليزية اسمه «لِمَ أسلمتُ ؟» وبيّن فيه مزايا الدين الإِسلامي على غيره من الأديان .
ومن أهم المسائل التي أثارت انتباههكما يقولأنّ الإِسلام هو الدين الوحيد الذي له تأريخ ثابت محفوظ ويتعجّبُ كيف اختارت أوربا لها ديناً ترى إنَّ من جاء به أجَلّ من الإِنسان وتعدّه ربّها ،مع أن هذا الدين ليس له تاريخ دقيق{[1616]} .
إنّ مطالعة آراء الذين اعتنقوا الإِسلام ديناً جديداً وعزفوا عن دينهم السابق ،تكشف أنّهم كانوا في منتهى البساطة والغفلة والتضليل ،بينما دلتّهم أُصول الإِسلام وفروعه ذات الأدلّة المحكمة إِلى الدين الإلهي البعيد عن الخرافات كلّها ،والذي يتجلى فيه نور الحق والهداية .
2انتصار المنطق أم انتصار القوّة ؟
هناك كلام بين المفسّرين في كيفية ظهور الدين الإِسلامي على سائر الأديان ،وهذا الظهور أو الانتصار في أيّ شكل هو ؟
قال بعض المفسّرين: هذا الانتصار انتصار منطقي استدلالي فحسب ،ويقولون بأن هذا الموضوع حاصل فعلا ،لأنّ الإِسلام من حيث منطقهُ ودلائله لا يقاس به دين آخر .
غير أنّ التحقيق في موارد استعمال مادة «الإظهار » في قوله تعالى: ( ليُظهره على الدين كله ) يكشف أنّ هذه المادة غالباً ما تستعمل في القدرة الظاهرية والغلبة المادية ،كما جاء في قصّة أصحاب الكهف: ( إنّهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ){[1617]} وكما نقرأ في شأن المشركين ( كيف وإِن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمّة ){[1618]} .
فمن البديهي أنّ الغلبة في مثل هذه الموارد ليست غلبة منطقية ،بل هي غلبة عينية وفعلية ،وعلى كل حال فمن الأفضل والأكثر صحة أن نعتقد بأنّ هذا الظهور والغلب ظهور مطلقمن جميع الجوانبلأنّه ينسجم ومفهوم الآية التي هي مطلقة من جميع الجهات أيضاً ،فيكون المعنى أنّه سيأتي يوم ينتصر فيه الإِسلام انتصاراً منطقياً وانتصاراً ظاهرياً ،في امتداد سيطرته ونفوذه المطلق ،وحكومته العامّة على جميع الأديان ،وسيجعل جميع الأديان تحت شعاعه .
3القرآن وظهور المهدي
إنّ الآيةمحل البحثعينها وبالألفاظ ذاتها ،وردت في سورة الصف ،كما وردت في أُخريات سورة الفتح باختلاف يسير .
والآية تخبر عن حدث مُهِمّ كبير استدعت أهميته هذه أن تتكرر الآية في القرآن ،وهذا الحدث الذي أخبرت عنه الآية هو استيعابُ الإِسلام للعالم بأسرهِ .
وبالرغم من أن بعض المفسّرين فسر الانتصارفي الآية محل البحثانتصاراً في منطقة معينة ومحدودة ،وقد حدث ذلك فعلا في عصر النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو ما بعده من العصور للإِسلام والمسلمين ،إلاّ أنّه مع ملاحظة أن الآية مطلقة لا قيد فيها ولا شرط ،فلا دليل على تحديد المعنى ،فمفهوم الآية انتصار الإِسلام كليّاًومن جميع الجهاتعلى جميع الأديان ،ومعنى هذا الكلام أنّ الإِسلام سيُهيمن على الكرة الأرضية عامّة ،وسينتصر على جميع العالم .
ولا شك أن هذا الأمر لم يتحقّق في الوقت الحاضر ،لكنّنا ندري أن هذا وعد من قبل الله حتمي وأنّه سيتحقق تدريجاً ،فسرعة انتشار الإِسلام وتقدمه في العالم ،والاعتراف الرسمي به من قبل الدول الأوروبية المختلفة ونفوذه السريع في أفريقيا وأمريكا ،وإعلان كثير من العلماء والمفكرين اعتناقهم الإِسلام ،كل ذلك يشير إِلى أنّ الإِسلام أخذ باستيعاب العالم .
إلاّ أنّه طبقاً للرّوايات المختلفة الواردة في المصادر الإِسلامية ،فإنّ هذا الموضوع إِنّما يتحقق عند ظهور المهدي( عليه السلام ) فيجعل الإِسلام عالمياً .
ينقل العلامة الشيخ الطبرسي في تفسيره ( مجمع البيان ) الآية محل البحث عن الإِمام الباقر( عليه السلام ) أنّه قال: «إِنّ ذلك يكون عند خروج المهدي ،فلا يبقى أحدٌ إلاّ أقرّ بمحمّد( صلى الله عليه وآله وسلم ) » .
كما ورد في التّفسير ذاته عن النبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال: «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا بر إلاّ أدخله الله كلمة الإِسلام » .
كما أن الشيخ الصدوق رضوان الله عليه روى عن الإِمام الصادق( عليه السلام ) في تفسير هذه الآيةفي كتابه إِكمال الدينأنّه قال: «والله ما نزل تأويلها بعدُ ، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم ،فإِذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم »{[1619]} .
وهناك أحاديث أُخرى بهذا المضمون وردت عن أئمة المسلمين عليهم السلام .
كما أنّ جماعةً من المفسّرين ذكروا هذا التّفسير في ذيل الآية أيضاً .
إِلاّ أنّ المدهش أن كاتب «المنار » هنا لم يكتف برفض هذا التّفسير المذكور آنفاً ،بل ناقش الأحاديث في المهدي( عليه السلام ) ،وحاول أن ينكر بتعصبه الخاص جميع الأحاديث الواردة في شأنه ،ولم يألُ جهداً في التذرع بما لديه من الحجج الواهية ليقول: إِنّ هذه الأحاديث لا يمكن قبولها بحال ،ويزعم أنّ الاعتقاد بوجود المهدي من أفكار الشيعة ،ومعتقداتهم ،أو معتقدات من يميل إِلى التشيّع .
ثمّ بعد هذا كلّه يرى صاحب «المنار » أنّ الاعتقاد بوجود المهدي مدعاة للتخلف والرّكود !
ومن هنا نرى أنّه لابدّ أن نعالجولو باقتضابالرّوايات الواردة في شأن المهدي «عجّل الله فرجه الشّريف » وآثار هذا الاعتقاد في تقدم المجتمع الإِسلامي ،ومواجهة الظلم والفساد ،ليُعلم أن التعصب إذا دخل من باب خرج العلم والمعرفة من باب آخر .
ومع أنّ صاحب المنار له باع طويلة في العلوم والمعارف الإِسلامية ،إلاّ أنّه لنقطة الضعف التي ابتلي بها «التعصب الشديد » يقلب بعض الحقائق الجليّة وينكرها تماماً .
الرّوايات الإِسلامية في المهدي «عجّل الله فرجه الشّريف »
بالرّغم من كثرة الكتب المؤلفة من قبل علماء أهل السنة وعلماء الشيعة ،في شأن الأحاديث الواردة في المهدي( عليه السلام ) ونهضته الإِصلاحية ،إلاّ أنّنا نعتقد أنّ كل ذلك ليس بأبلغ ولا أوجز في الوقت ذاته ممّا كتبه علماء الحجاز من رسائل ردّاً على السائلين في هذا المجال ،لذلك نرى من المناسب أن ننقل مضامين تلك الإِجابات ومؤداها للقراء الكرام .
لكنّنا نذكر قبلا ،أنّ الرّوايات الواردة في المهدي «عجل الله فرجه الشريف » من الكثرة بحيث لا يستطيع أي محقق اسلاميمن أي مذهب كانأن ينكر تواترها .
وقد كُتبت حتى الآن كُتب كثيرة في هذا الصدد ،وقد اتفق مؤلّفوها على صحة الأخبار الواردة في المصلح المهدي «عجّل الله فرجه الشّريف » ،إلاّ أنّ أفراداًمعدودينكأحمد أمين المصري وابن خلدونومن تبعهما ،يشككون في صدور هذه الأحاديث عن نبيّ الإسلام( صلى الله عليه وآله وسلم ) والقرائن المتوفرة في أيدينا تدل على أن الباعث على ترددهم لم يكن لضعف في الأخبار ،بل كانوا يرون أن الرّوايات الواردة في المهدي( عليه السلام ) مشتملة على مسائل لا تكاد تصدّقُ بسهولة أو أنّهم لم يستطيعوا أن يميّزوا الأحاديث الصحيحة عن غيرها .أو لم يجدوا تفسيراً لها .
وعلى كل حال يلزمُنا قبلَ كلّ شيء أن نضع بين يدي القراء الكرام نص السّؤال والجواب الذي نشرته رابطة العالم الإسلامي والتي يقوم عليها أشدّ المتزمتين إفراطاًفي المذاهب الإِسلاميةأي الوهابيين ،ليتّضح أنّ مسألة ظهور المهدي «عجّل الله فرجه الشّريف » بين المسلمين تعتقد بها الأغلبية الساحقة منهم ،ونعتقد أن هذه الرسالة على وجازتها جمعت في طيّها الدلائل على ذلك بما ليس لكل أحد أن يتوفر له هذا الجمع ،وإِذا كان الوهابيون المتعصبون قد أذعنوا لهذا الأمر ،فللسبب ذاته المشار إليه آنفاً في الرسالة .
فقبل بضعة أعوام وجّه شخص من كينيايدعى أبا محمّدسؤالا إِلى رابطة العالم الإِسلامي في شأن المهدي المنتظر «عجّل الله فرجه الشّريف » .
فأجابه مدير الرّابطة ،محمّد صالح القزاز ،بردٍّ يتضمّن تصريحاً بأنّ ابن تيميّة يؤمن بالأحاديث الواردة في شأن المهديّ أيضاً ،وقد كتب هذه الرسالة خمسة علماء معروفين من أهل الحجاز جواباً على سؤال أبي محمّد الكيني .
وقد ورد في هذه الرسالة بعد ذكر اسم المهدي( عليه السلام ) ومحل ظهوره «مكّة » ما يلي:
«عند ظهوره يكون العالم مليئاً بالفساد والكفر والجور ،فيملأ الله به «المهدي » العالم عدلا كما ملئ ظلماً وجوراً ،وهو آخر الخلفاء الراشدين الاثني عشر الذين أخبر عندهم النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) في كتب الصحاح .
والأحاديث المتعلقة بالمهديّ نقلها عدّة من أصحاب النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) منهم: عثمان بن عفان ،علي بن أبي طالب ،طلحة بن عبيد الله ،عبد الرحمن بن عوف ،قرة بن أساس المزني ،عبد الله بن الحارث ،أبو هريرة ،حذيفة بن اليمان ،جابر بن عبد الله ،أبو أمامة ،جابر بن ماجد ،عبد الله بن عمر ،أنس بن مالك ،عمران بن الحصين ،وأُم سلمة .
فهؤلاء عشرون راوياً صحابياً رووا عن النّبي في المهدي «عجّل الله فرجه الشّريف » وغيرهم كثير أيضاً ،وهناك أحاديث كثيرة عن الصحابة أنفسهم ورد فيها الكلام عن ظهور المهدي «عجّل الله فرجه الشّريف » ويمكن أن تضاف هذه الرّوايات إِلى الرّوايات الواردة عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،لأنّ ذلك «أي الكلام في المهدي » لم يكن مسألة اجتهادية ليمكن الاجتهاد فيها ،فبناءً على ذلك فإنّ الصحابة قد سمعوا هذا الموضوع من النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ثمّ تضيف الرسالة:
إن الأحاديث آنفة الذكر المرويّة عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) مذكورة في كتب الحديث والكتب الإسلامية الأُخرى سواء منها السنن أو المعاجم أو المسانيد ،وكذلك شهادات الصحابة وأقوالهم التي هي بمثابة الحديث أيضاً ،ومن الكتب التي وردت فيها الأحاديث في المهدي أو أقوال الصحابة هي: سنن أبي داود ،وسنن الترمذي ،وابن ماجه ،وابن عمرو الداني ،ومسند أحمد ،وابو يعلى ،والبزار ،وصحيح الحاكم ،ومعجما الطبراني «الكبير والمتوسط » والرواياني ،والدارقطني ،وأبو نعيم في أخبار المهدي ،والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ،وابن عساكر في تأريخ دمشق ،وغيرها .
وتضيف الرسالة: إنّ بعض العلماء المسلمين كتبوا في هذا الشأن كتباً خاصّة ،منهم: أبو نعيم في أخبار المهدي ،وابن حجر الهيثمي في «القول المختصر في علامات المهدي المنتظر » ،والشوكاني ،في «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح » وإِدريس العراقي المغربي في كتاب المهدي ،وأبو العباس بن عبد المؤمن المغربي في كتاب «الوهم المكنون في الردّ على ابن خلدون » .
وآخر من كتب في هذا الشأن بحثاً مطوّلا ،وهو مدير الجامعة الإِسلامية في المدينة المنورة «في حلقات متعدّدة في مجلة الجامعة المذكورة » .
ثمّ تضيف الرسالة أيضاً ،إن جماعة من علماء الإِسلام قديماً وحديثاً صرّحوا في كتبهم أن الأحاديث الواردة في المهدي تقرب من التواتر ولا يمكن إِنكارها بأيّ وجه ،ومنهم السخاوي في «فتح المغيثِ » ومحمّد بن الحسن السفاويني في «شرح العقيدة » وأبو الحسن الأبري في «مناقب الشافعي » وابن تيمية في «فتاواه » والسيوطي في «الحاوي » وإِدريس العراقي في كتابه «المهدي » والشوكاني في كتاب «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر » ومحمّد جعفر الكناني في «نظم التناثر » وأبو العباس بن عبد المؤمن في «الوهم المكنون ...» .
وتختم الرسالة بالقول بأن ابن خلدون وحده أنكر الأحاديث في المهدي ،وعدّها واهية لا أساس لها ،وأنّها عارية من الصحة ،إِذ قال: لا مهديّ إلاّ عيسى ،إلاّ أنّ علماء الإِسلام ورجاله ردّوا على مقالته ،وخاصّة أبو العباس بن عبد المؤمن في كتابه «الوهم المكنون في الردّ على ابن خلدون » الذي خصّص في كتابه بحثاً مسهباً في هذا الشأن ،وقد نشر الكتاب منذ أكثر من ثلاثين سنة .
ويقول حفاظ الأحاديث والعلماء الكبار بصراحة ،إِن الأحاديث في المهدي تشتمل على الصحيح والحسن ،ومجموعها متواتر ،فبناءً على ذلك فالاعتقاد بظهور المهدي واجب على كل مسلم ،ويُعدّ هذا من عقائد أهل السنة والجماعة ولا ينكرها إلاّ الجهلة أو المبتدعون ...الخ .
مدير إدارة مجمع الفقه الإِسلامي
محمّد المنتصر الكنائي
الانتظار وآثاره البنّاءَة:
كان الكلام في البحث السابق أن هذا الاعتقاد لم يكن ممّا طراً على التعاليم الإِسلامية ،بل هو من أكثر المباحث القطعية المأخوذة عن مؤسس دعائم الإِسلام صلوات الله عليه ،ويتفق على ذلك عموم الفرق الإِسلامية ،والأحاديث في هذا الشأن متواترة أيضاً .
والآن لنقف على آثار الانتظار في المجتمعات الإِسلامية وما هي عليه من أحوال ،لنرى هل أن الإِيمان بظهور الإمام المهدي( عليه السلام ) يجعل الانسان عارفاً في الوهم والخيال ثمّ ليستسلم لجميع الظروف ،أو هو نوع من الدّعوة إِلى النهوض وبناء الإِنسان والمجتمع ؟!
هل يدعو إِلى التحرك ،أم إِلى الركود ؟
هل يبعث في الانسان روح المسؤولية ،أم هو مدعاة للفرار منها ؟
وأخيراً: أهو مخدّر ،أم موقظ ؟
إِلاّ أنّه قبل أن نوضح الإِجابة على هذه الأسئلةلابدّ من الالتفات إِلى هذه الملاحظة وهي أن أسمى المفاهيم وأكرم الدساتير متى ما وقعت في أيدي أناس جهلة أو غير جديرين بها ،فمن الممكن أن تُمسخ بسوء استفادتهم فتكون النتيجة خلافاً للهدف الأصلي تماماً وتتعاكس في المسار ،ومثل هذا واقع بكثرة ،وسنرى أن مسألة انتظار المهدي( عليه السلام ) من هذه المسائل أيضاً .
ومن أجل تحاشي الأخطاء والإِشتباهات في مثل هذه المباحث ،ينبغيكما قيلأن ننهل الماء من معينه العذب ،لئلا نجد فيه كدر الأنهار أو السواقي المشوبة .أي علينا أن نراجع النصوص الإِسلامية الأصيلة مباشرة وأن نفهم الانتظار من لسان رواياتها المختلفة ،حتى نطّلع على الهدف الأصليّ منها !
الرّوايات الشّريفة:
1سأل بعضهم الإِمام الصّادق( عليه السلام ): ما تقول في رجل موال للأئمّة( عليهم السلام ) وينتظر ظهور حكومة الحق ،ثمّ يموت وهو على هذه الحال ؟!
فقال الإِمام الصادق( عليه السلام ): هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه .ثمّ سكت هنيئة ،ثمّ قال: هو كمن كان مع رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ){[1620]} .
وهذا المضمون نفسه ورد في روايات متعددة بتعابير مختلفة:
2إِذ جاء في بعضها: بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله .
3وفي بعضها: كمن قارع مع رسول الله بسيفه .
4وفي بعضها: بمنزلة من كان قاعداً تحت لواء القائم .
5وفي بعضها: بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله .
6وفي بعضها: بمنزلة من اسُتشهد مع رسول الله .
فهذه التشبيهات السبعة في الرّوايات الست المذكورة ،آنفاً في شأن المهدي( عليه السلام ) ،تبيّن هذه الواقعية وهي أنّ هناك علاقة وارتباطا بين مسألة الانتظار من جانب ،وجهاد العدوّ في أشدّ أشكاله من جانب آخر «فتأملوا بدقّة » .
7كما ورد في روايات متعددة أن انتظار مثل هذه الحكومة الحقة من أفضل العبادات ،وهذا المضمون ورد في بعض أحاديث النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكلام الإِمام أمير المؤمنين علي( عليه السلام ) .
فقد ورد عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال: «أفضل أعمال أُمّتي انتظار الفرج من الله عزّ وجلّ »{[1621]} .
وقال( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حديث آخر: «أفضل العبادة انتظار الفرج »{[1622]} .
وهذان الحديثان يشيران إِلى انتظار الفرج ،سواء الفرج بمفهومه الواسع العام أو بمفهومه الخاص أي انتظار ظهور المصلح ويبيّنان أهمية الانتظار بجلاء أيضاً .
ومثل هذه التعابير تعني أنّ الانتظار معناه الثورية المقرونة بالتهيؤ للجهاد ،فلابدّ أن نتصوّر هذا المعنى لنفهم المراد من الانتظار ،ثمّ نحصل على النتيجة المتوخاة .
مفهوم الانتظار !
الانتظار: يطلق عادةً على من يكون في حالة غير مريحة وهو يسعى لإِيجاد وضع أحسن .
فمثلا المريض ينتظر الشفاء من سقمه ،أو الأب ينتظر عودة ولده من السفر ،فهما أي المريض والأب مشفقان ،هذا من مرضه وذاك من غياب ولده ،فينتظران الحال الأحسن ويسعيان من أجل ذلك بما في وسعهما .
وكذلكمثلاحال التّاجر الذي يعاني الأزمة السوقية وينتظر النشاط الإِقتصادى .فهاتان الحالتان أي: الاحساس بالأزمة ،والسعيُ نَحْوَ الأحسن هما من الانتظار .
فبناءً على ذلك ،فإنّ مسألة انتظار حكومة الحق والعدل ،أي حكومة «المهدي( عليه السلام ) » وظهور المصلح العالمي ،مركبة في الواقع من عنصرين: عنصر نفي ،وعنصر إِثبات ،فعنصر النفي هو الإِحساس بغرابة الوضع الذي يعانيه المنتظر ،وعنصر الإِثبات هو طلب الحال الأحسن !
وإِذا قُدّر لهذين العنصرين أن يحلاّ في روح الإِنسان فإِنّهما يكونان مدعاة لنوعين من الأعمال وهذان النوعان هما:
1ترك كل شكل من أشكال التعاون مع أسباب الظلم والفساد ،بل عليه أن يقاومها ،هذا من جهة .
2وبناء الشخصية والتحرك الذاتي وتهيئة الاستعدادات الجسمية والروحية والمادية والمعنوية لظهور تلك الحكومة العالمية الإِنسانية ،من جهة أُخرى .
ولو أمعنّا النظر لوجدنا أنّ هذين النوعين من الأعمال هما سبب في اليقظة والوعي والبناء الذاتي .
ومع الالتفات إِلى مفهوم الانتظار الأصيل ،ندرك بصورة جيدة معنى الرّوايات الواردة في ثواب المنتظرين وعاقبة أمرهم ،وعندها نعرف لم سمّت الرّوايات المنتظرين بحقّ بأنّهم بمنزلة من كان مع القائم تحت فسطاطه «عجل الله فرجه » أو أنّهم تحت لوائه ،أو أنّهم كمن يقاتل في سبيل الله بين يديه كالمستشهد بين يديه ،أو كالمتشحط بدمه !...الخ ...
تُرى أليست هذه التعابير تشير إِلى المراحل المختلفة ودرجات الجهاد في سبيل الحق والعدل ،التي تتناسب ومقدار الاستعداد ودرجة انتظار الناس ؟
كما أنّ ميزان التضحية ومعيارها ليس في درجة واحدة ،إِذا أردنا أن نزن تضحية المجاهدين ،في سبيل الله ودرجاتهم وآثار تضحياتهم ،فكذلك الانتظار وبناء الشخصيّة والاستعداد ،كل ذلك ليس في درجة واحدة ،وإِن كان كلّ من هذه «العناوين » من حيث المقدمات والنتائج يشبه العناوين آنفة الذكر .فكلّ منهما جهاد وكل منهما استعداد وتهيؤ لبناء الذات ،فمن هو تحت خيمة القائد وفي فسطاطه يعني أنّه مستقر في مركز القيادة ،وعند آمرية الحكومة الاسلامية ! فلا يمكن أن يكون إِنساناً غافلا جاهلا ،فذلك المكان ليس مكاناً لكل أحد وإِنّما هو مكان من يستحقه بجدارة !
فكذلك الأمر عندما يقاتل المقاتل بين يدي هذا القائد أعداء حكومة العدل والصلاح ،فعليه أن يكون مستعداً بشكل كامل روحياً وفكرياً وقتالياً .
ولمزيد التعرف على الآثار الواقعية لانتظار ظهور المهدي( عليه السلام ) لاحظوا التوضيح التّالي:
الانتظار يعنى الاستعداد الكامل:
اِذا كنتُ ظالماً مجرماً ،فكيف يتسنى لي أن أنتظر من سيفه متعطش لدماء الظالمين ؟!
وإِذا كنتُ ملوّثاً غير نقي فكيف أنتظر ثورة يحرق لهبها الملوّثين ؟!
والجيش الذي ينتظر الجهاد الكبير يقوم برفع معنويات جنوده ويلهمهم روح الثورة ،ويصلح نقاط الضعف فيهم إِن وجدت ،لأنّ كيفية الانتظار تتناسب دائماً والهدف الذي نحن في انتظاره .
1انتظار قدوم أحد المسافرين من سفره .
2انتظار عودة حبيب عزيز جداً .
3انتظار حلول فصل اقتطاف الثمار وجني المحاصيل .
كل من هذه الأنواع من الانتظار مقرون بنوع من الاستعداد ،ففي أحدها ينبغي تهيئة البيت ووسائل التكريم ،وفي الآخر ما ينبغي أن يقتطف به من الأدوات والسلال وهكذا ...والآن سنتصوّر كيف يكون انتظار ظهور مصلح عالمي كبير وكيف نكون في انتظار ثورة وتغيير وتحول واسع لم يشهد تأريخ الإِنسانية مثيلا له ؟
الثورة التي ليست كسائر الثورات السابقة ،إذ هي غير محدودة بمنطقة ما ،بل هي عامّة وللجميع ،وتشمل جميع شؤون الحياة والناس ،فهي ثورة سياسية ،ثقافية ،اقتصادية ،أخلاقية .
الحكمة الأُولى ،بناء الشّخصية الفرديّة:
إِنّ بناء الشّخصيةقبل كل شيءبحاجة إِلى عناصر معدّة ذات قيم إِنسانية ،ليمكن للفرد أن يتحمل العبء الثقيل الإِصلاحي للعالم ،وهذا الأمر بحاجةأوّلاإِلى الارتقاء الفكري والعلمي والاستعداد الروحي ،لتطبيق ذلك المنهج العظيم .فالتحجر ،وضيق النظر والحسد ،والاختلافات الصبيانية ،وكل نفاق بشكل عام أو تفرقة لا تنسجم ومكانة المنتظرين الواقعيين .
والمسألة المهمّةهناأنّ المنتظر الواقعي لا يمكنه أن يقف موقف المتفرج ممّا أشرنا إِليه آنفاً ،بل لابدّ أن يقف في الصف الآخر ،أي صف الثائرين المصلحين ،فالإِيمان بالنتائج وما يؤول إليه هذا التحول ،لا يسمح له أبداً أن يكون في صف «المثبطين » المتقاعسين ،بل يكون في صف المخلصين المصلحين ،ويكون عمله خالصاً وروحه أكثر نقاءً ،وأن يكون شهماً عارفاً معرفةً كافية بالأُمور .
فإِذا كنتُ فاسداً معوجّاً فكيف يمكنني أن أنتظر نظاماً لا مكان فيه للفاسدين ؟أليس مثل هذا الانتظار كافياً لأن أُطهّر نفسي وفكري ،وأغسل جسمي وروحي من التلوّث ؟!
والجيش الذي ينتظر جهاداً تحررياً لابدّ له أن يكون في حالة من الاستعداد الكامل ،وأن يهيئ السلاح الجدير بالمعركة ،وأن يصنع الملاجئ والمواضع العسكرية اللازمة وأن يرفع المعنويات القتالية في صفوف أفراده ،ويقوي روحيّاتهم ،يُسرج في قلوبهم شعلة العشق للمواجهة فإنّ جيشاً ليس فيه مثل هذه الاستعدادات لا يكون جيشاً ( منتظراً ) وإذا ادعى الانتظار فهو «كاذب » !
إنّ انتظار المصلح ،« العالمي » معناه الاستعداد الكامل فكرياً ،وأخلاقياً ،مادياً ومعنوياً ،الاستعداد لإِصلاح العالم كلّه .فتصوّروا أنّ مثل هذا الاستعداد كم يكون بنّاء ؟!
فإصلاح المعمورة كلّها ،وإِنهاء الظلم والفساد والنواقص ليس عملا بسيطاً ،ولا هو بالمزاح أو الهزل ،بل الاستعداد لمثل هذا الهدف الكبير ينبغي أن يتناسب معه ،وأن يكون بسعته وعمقه !
فلابدّ من وجود رجال كبار مصممين ذوي إرادة أقوياء لا ينكصون ولا ينهزمون أبداً ،ذوي نظرة واسعة واستعداد تام وتفكير عميق ،حتى تتحقق مثل هذه الثورة الإِصلاحية العالمية .
وبناء الشخصية لمثل هذا الهدف يستلزم الارتباط بأشد المناهج الأخلاقية ،والفكرية والاجتماعية أصالة وعمقاً ،فهذا هو معنى الانتظار الواقعي !تُرى هل يستطيع أن ينكر أحد فيقول: إِن مثل هذا الانتظار لا يكون فاعلا .
الحكمة الثّانية ،التعاون الاجتماعي:
إِنّ المنتظرين بحق في الوقت الذي ينبغي عليهم أن يهتمّوا ببناء «شخصيتهم » عليهم ،أن يراقبوا أحوال الآخرين ،وأن يجدّوا في إصلاحهم جدّهم في إِصلاح ذاتهم ...لأنّ المنهج العظيم الذي ينتظرونه ليس منهجاً فرديّاً ،بل هو منهج ينبغي أن تشترك فيه جميع العناصر الثورية ،وأن يكون العمل جماعياً عاماً ،وأن تتسقَ المساعي والجهود بشكل يتناسب وتلك الثورة العالمية هم في انتظارها .
ففي ساحة معركة واسعة يقاتل فيها مجموعة جنباً إِلى جنب ،لا يمكن لأحد منهم أن يغفل عن الآخرين بل عليه أن يشدّ أزرهم وأن يسدّ الثغرة ويصلح نقطة الضعف إِن وُجدت ويرمم المواضع المتداعية ويدعم ما ضعف منها ،لأنّه لا يمكن تطبيق مثل هذا المنهج دون مساهمة جماعية نشيطة فعّالة متسقة متناسقة !
فبناءً على ذلك فالمنتظرون بحقّ عليهم أن يصلحوا حال الآخرين بالإِضافة إِلى إصلاح حالهم .
فهذا هو الأثر الآخر البنّاء ،الذي يورثه الانتظار لقيام مصلح عالمي ،وهذه حكمة الفضائل التي ينالها ،المنتظرون بحق .
الحكمة الثّالثة ،المنتظرون بحق لا يذوبون في المحيط الفاسد:
إِنّ الأثر المهم الآخر للانتظار هو عدم ذوبان المنتظرين في المحيط الفاسد ،وعدم الانقياد وراء المغريات والتلوّث بها أبداً .
وتوضيح ذلك: أنّه حين يعم الفساد المجتمع ،أو تكون الأغلبية الساحقة منه فاسدة ،فقد يقع الإِنسان النقي الطاهر في مأزق نفسي ،أو بتعبير آخر: في طريق مسدود «لليأس من الإِصلاحات التي يتوخّاها » .
وربّما يتصور «المنتظرون » أنّه لا مجال للإِصلاح ،وأن السعي والجدّ من أجل البقاء على «النقاء » والطهارة وعدم التلوّث ،كل ذلك لا طائل تحته ،أو لا جدوى منه ،فهذا اليأس أو الفشل قد يجرّ الإِنسان نحو الفساد والاصطباغ بصبغة المجتمع الفاسد ،فلا يستطيع المنتظرون عندئذ أن يحافظوا على أنفسهم باعتبارهم أقليّة صالحة بين أكثرية طالحة ،وأنّهم سيفتضحون إِن أصروا على مواصلة طريقهم وينكشفون لأنّهم ليسوا على شاكلة الجماعة .
والشيء الوحيد الذي ينعشُ فيهم الأمل ويدعوهم إلى المقاومة والتجلد وعدم الذّوبان والانحلال في المحيط الفاسد ،هو رجاؤهم بالإصلاح النهائي ،فهم في هذه الحالفحسبلا يسأمون عن الجد والمثابرة ،بل يواصلون طريقهم في سبيل المحافظة على الذات وحفظ الآخرين وإِصلاحهم أيضاً .
وحين نجدفي التعاليم الإِسلاميةأن اليأس من رحمة الله وثوابه من أعظم الذنوب والكبائر ،فقد يتعجب بعض الجهّال: كيف يكون اليأس من رحمة الله من الكبائر والى هذه الدرجة من الأهمية ،حتى أنّه أشدّ من سائر الذنوب الأُخرى ،فإنّ حكمته و«فلسفتة » في الحقيقة هو ما أشرنا إِليه آنفاً ،لأنّ العاصي الآيس من رحمة الله لا يرى شيئاً ينقذه ويخلصه من عذاب الله ،فلا يفكر بإِصلاح الخلل ،أويكفّ عن الذنب على الأقل لأنّه يقول في نفسه: أنا الغريقُ فهل أحشى من البلل ؟والنهاية الحتمية جهنّم ،وقد أشتريتها ،فما عسى أن أفعل ؟...وما إلى ذلك .
إِلاّ أنّه حين تنفتح له نافذة الأمل ،فإنّه سيرجو عفو ربّه ،ويتجه نحو تغيير نفسه وحاله ،ويحصل له منعطف جديد في حياته يدعوه الى التوقف عن مواصلة الذنوب والعودة نحو الطهارة والنقاء والإِصلاح .
ومن هنا يمكننا أن نعتبر أنّ الأمل عامل تربوي مهم ومؤثر في المنحرفين أو الفاسدين ،كما أنّ الصالحين لا يستطيعون أن يواصلوا مسيرهم في المحيط الفاسد إِذا لم يكن لهم أمل بالانتصار على المفاسد .
والنتيجة أنّ معنى انتظار ظهور المصلح ،هو أنّ الدنيا مهما مالت نحو الفساد أكثر كان الأمل بالظهور أكثر ،والانتظار يكون له أثر نفسي كبير ،فيضمن للنفوس القوّة في مواجهة الأمواج والتيارات الشديدة كيلا يجرفها الفساد ،فهم ليسوا أربط جأشاً فحسب ،بل بمقتضى قول الشاعر:
عندما يأزف ميعاد الوصال*** فلظى العشّاق في أيّ اشتعَال
إِذن فهم يسعون أكثر للوصول الى الهدف المنشود ،وتنشد همتهم لمواجهة الفساد ومكافحته بشوق لا مزيد عليه .
وممّا ذكرناهآنفاًنستنتج أن الأثر السلبي للانتظار إِنّما يكون في صوره ما لو مسخ مفهومه أو حُرّف عن واقعه ،كما حرفه المخالفون والأعداء ،ومسخه الموافقون ،غير أنّه لو أخذ بمفهومه الواقعي لكان عاملا تربويّاً مهمّاً بنّاءً محرّكاً باعثاً على الأمل والرجاء .
وممّا يؤيد هذا الكلام ما ورد عن الأئمّة الطّاهرين( عليهم السلام ) في تفسير هذه الآية: ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض ) إِذ جاء أنّ المراد من الآية هو «القائم وأصحابه »{[1623]} .
كما جاء في حديث آخر أنّها ،أي هذه الآية نزلت في المهدي( عليه السلام ) .
وقد عبّرت هذه الآية عن الإمام المهدي وأصحابه ب( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) .
فبناءً على ذلك فإنّ تحقّق هذه الثورة الإِصلاحية بدون إِيمان مستحكم يقضي على كل أنواع الضعف والتحلّل وبدون عمل صالح يفتح الطريق لإِصلاح العالم ،فإن هذا التحقّق مستبعد جدّاً .
والطالبون لهذا التحقّق عليهم أن يزدادوا إِيماناً ومعرفة ،وأن يجدّوا في العمل الصالح وإِصلاح ذاتهم .
وهؤلاء هم طليعة تلك الحكومة العالمية وأملها المشرق ،لا من ركن الى الظلم والجور ....
وليس المنتظر لتلك الحكومة الأشخاص الضعاف الهمة والجبناء الذين يخافون حتى من ظلّهم .
ولا البطّالون الساكتون عن الحق التّاركون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في محيطهم الفاسد .أجل ...هذا هو الأثر الإيجابي البناء لانتظار قيام المهدي( عليه السلام )في المجتمع الإسلامي .