{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى} ليبيّنه للناس في عملية إقناعٍ ودعوةٍ وتوعيةٍ وليدخله في قلوبهم وضمائرهم التي تنفتح للهدى القادم من قلب الرسالات{وَدِينِ الْحَقِّ} الشامل الكامل الذي يتميّز بالسعة والعمق والامتداد في الحياة ،والانطلاق بالإنسان إلى كل سماوات الإبداع الروحي والكمال الإنساني ،والانطلاق الفكري والتركيز العملي الواعي{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} سواء كان دين شرك مما انحرف فيه المشركون ،أو دين توحيدٍ انحرف في طريقه{وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} الذين ينظرون إلى التوحيد نظرة الأعمى الذي لا يبصر طريقه ،ولا يعرف بدايته ونهايته .
وتلك هي إرادة الله ،في ما يريد للحياة من دينٍ يعيشه الناس بأفكارهم ويمارسونه بأعمالهم ،لتكون الحياة كلها له ،ولم يرد الله لدينه أن يظهر أو ينتصر بالمعجزة الخارقة ،التي تضغط على الواقع ليتغيّر بشكل غير طبيعيّ ،بل أراد له أن يظهر بالوسائل البشريّة الطبيعية المتمثلة بالإقناع بالحكمة والموعظة الحسنة في مجال الدعوة ،وبالجهاد والمواجهة الحاسمة ،بمختلف الوسائل الضاغطة ،في مجال ردّ التحديات والدفاع عن حرّية الدعوة في الوصول إلى كل مكانٍ في العالم .وبهذا استطاع المسلمون ،من خلال الدعوة والجهاد ،أن يصلوا بالإسلام إلى الآفاق التي وصلها ،عندما أخذوا بالأسباب العملية في ذلك كله ،ثمّ توقفوا وتراجعوا ،عندما فرضت عليهم ذهنيّة التخلف أن يتركوا الدعوة ويتخلفوا عن حركة الجهاد ،ليستريحوا إلى أمجاد الماضي وأحلام المستقبل ،في عمليّة استرخاء كسول ،تنتظر النصر من الله من دون أن تملك وسائله العملية ،ما يتنافى مع سنة الله في الكون التي انطلقت من أجل أن تربط النتائج بمقدماتها ،والمسبّبات بأسبابها .
وهكذا نجد أنّنا عندما نتحرك في اتجاه الدعوة لتغيير الفكر الإنساني على صورة الدين الحق ،فإننا نتحرك في خط إرادة الله ،تماماً كما هو الحال عندما نتحرك في اتجاه خطّ الجهاد من أجل مواجهة التحدّيات المضادّة من جهة ،ومن أجل تحقيق المبادىء العامة لهذا الدين ،في حركة العدل والحرية للشعوب ،من جهة أخرى .إنها الإرادة الدائمة التي توحي بأن النتائج ستتحقق في الساحة العامة للحياة ،عندما ينطلق العاملون على أساس تحقيق المقدمات ،ليكون النصر للإسلامالدين الحقبإذن الله .