وقد أيد الله دعوة الحق بإرسال محمد يكشف به الظلمات ، فقال تعالى:{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ( 33 )} .
الضمير يعود على لفظ الذي يأبى إلا أن يتم نوره ، وكان من إتمام نوره إرسال محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي أبطل الشرك وأبطل مقالة أهل الكتاب التي ليس لها من الحق سلطان تقوم عليه .
قال تعالى:{ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} الهدى هو القرآن ، وهو ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هداية . أخرجت العرب من الظلمات ، والقرآن فيه الهدى الكامل كما قال تعالى:{ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان . . . . . . . . . . . . . . ( 185 )} ( البقرة ) .
و ( الباء ) في قوله تعالى:{ بالهدى} للمصاحبة أي مصاحبا للهدى أي معه المعجزة الباهرة ، والهداية الكاملة .
وأضاف الرسول إليه سبحانه في قوله:{ رسوله} تنويها بشأنه ، وتشريفا وتكريما ، وللإشارة إلى أنه ناصره ومؤيده وقاهر عدوه مهما يكونوا .
وقوله تعالى:{ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} اللام للتعليل أو للعاقبة ، وعلى أنها للتعليل يكون المعنى أنه أرسله ليظهره على الدين ، فالإرسال وكونه رسوله علة للإظهار ، أو للعاقبة ، ويكون لتكون عاقبة الإرسال أن يظهره على الدين كله .
ودين الحق هو التوحيد ، والإضافة للبيان ، أي الدين الحق ، والإضافة تدل على أنه الدين الحق الذي هو لباب الأديان الحق كلها ، ولذا قال تعالى:{ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه . . . . .( 13 )} ( الشورى ) ، وهو التوحيد .
وقال تعالى:{ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} الدين كله قالوا إن المراد على الأديان كلها ، ولكنا نرى أن المراد الدين الحق الذي ذكره أولا ؛ لأن إعادة المعرفة معرفة تكون عينها ، ومعنى ظهوره على الدين كله المراد بقاؤه ظاهرا معروفا ؛ لأنه خاتم الرسل وآخرهم ، ويضمن كل ما جاءت به الرسل جميعا ، وهذا هو معنى ( كله ) فهو الدين الجامع لكل الرسالات السابقة ، فمن آمن بها فقد آمن بكل الشرائع السماوية السابقة سليمة غير محرفة .
هذا ما نختاره والله الموفق للصواب .
وقد جاءت أخبار كثيرة تدل على انتشار الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها وإنها لصادقة ( راجع تفسير الحافظ ابن كثير ) ، وفي هذه الأخبار الصحاح إشارة إلى أن الأمراء هم الذين يفسدون أمر المسلمين ، فقد جاء في مسند الإمام أحمد رضي الله عنه:( سمعت شقيق بن حبان يحدث عن مسعود بن قبيصة أو قبيصة بن مسعود يقول:صلى هذا الحي من محارب الصبح ، فلما صلوا قال شاب منهم:سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:( إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها ، وإن عمالها في النار إلا من اتقى الله وأدى الأمانة ) ( 1 ){[1226]} صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحكام المسلمين هم الذين أفسدوا الناس وكانوا حجة على هذا الدين ، ومهما يكن فإن الله أظهر الدين على الدين كله ، وقال:{ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} الذين عادوا الله وعادوا الحق ، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله .