ثم قال تعالى:( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) فالهدى:هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة ، والإيمان الصحيح ، والعلم النافع . ودين الحق:هي الأعمال [ الصالحة] الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة .
( ليظهره على الدين كله ) أي:على سائر الأديان ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها .
وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن أبي يعقوب:سمعت شقيق بن حيان يحدث عن مسعود بن قبيصة - أو:قبيصة بن مسعود - يقول:صلى هذا الحي من "محارب "الصبح ، فلما صلوا قال شاب منهم:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:إنه سيفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها ، وإن عمالها في النار ، إلا من اتقى الله وأدى الأمانة .
وقال الإمام أحمد:حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، حدثنا سليم بن عامر ، عن تميم الداري - رضي الله عنه - قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين ، بعز عزيز ، أو بذل ذليل ، عزا يعز الله به الإسلام ، وذلا يذل الله به الكفر ، فكان تميم الداري يقول:قد عرفت ذلك في أهل بيتي ، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية .
وقال الإمام أحمد:حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثني ابن جابر ، سمعت سليم بن عامر قال:سمعت المقداد بن الأسود يقول:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر ، إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز ، أو بذل ذليل ، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها ، وإما يذلهم فيدينون لها .
وفي المسند أيضا:حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن أبي حذيفة ، عن عدي بن حاتم سمعه يقول:دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:يا عدي ، أسلم تسلم . فقلت:إني من أهل دين . قال:أنا أعلم بدينك منك . فقلت:أنت أعلم بديني مني ؟ قال:نعم ، ألست من الركوسية ، وأنت تأكل مرباع قومك ؟ . قلت:بلى . قال:فإن هذا لا يحل لك في دينك . قال:فلم يعد أن قالها فتواضعت لها ، قال:أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام ، تقول:إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة له ، وقد رمتهم العرب ، أتعرف الحيرة ؟ قلت:لم أرها ، وقد سمعت بها . قال:فوالذي نفسي بيده ، ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة ، حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد ، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز . قلت:كسرى بن هرمز ؟ . قال:نعم ، كسرى بن هرمز ، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد . قال عدي بن حاتم:فهذه الظعينة تخرج من الحيرة ، فتطوف بالبيت في غير جوار أحد ، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ، والذي نفسي بيده ، لتكونن الثالثة ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قالها .
وقال مسلم:حدثنا أبو معن زيد بن يزيد الرقاشي ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن الأسود بن العلاء ، عن أبي سلمة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى . فقلت:يا رسول الله ، إن كنت لأظن حين أنزل الله - عز وجل -:( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) إلى قوله:( ولو كره المشركون ) أن ذلك تام ، قال:إنه سيكون من ذلك ما شاء الله - عز وجل - ثم يبعث الله ريحا طيبة [ فيتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان] فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم .