قوله تعالى:{ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} روي الشيخان عن أبي سعيد الخدري في قصة ذي الخويصرة واسمه حرقوص وهو أصل الخوارج لما اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم حين قسم غنائم حنين فقال له: اعدل فإنك لم تعدل ،فقال: ( لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رآه مقفيا: ( إنه يخرج من ضئضي هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ،يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ،فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ؛فإنهم شر قتلى تحت أديم السماء ) فنزلت الآية من أجل ذلك{[1804]} أن فريقا من عابوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسم الصدقات واتهموه في ذلك بعدم العدل .وفي الحقيقة إنهم هم المتهمون المأفونون ،بل
إنهم هم الميبون الخاطئون بنفاقهم وخيانتهم وفساد ضمائرهم .وهم فوق ذلك يخدشون الجناب المعصوم .الجناب الذي ترفرف على العالمين نسائم فضله الأكرم ،وتشع على الخافقين سواطع نوره المشرق .يعيه المنافقون التافهون الجبناء بأكذوبة مفضوحة تندلق من حناجرهم القذرة وهي تزدرد مثل هذا التقول المكذوب على أقدس كريم أظلته السماء أو أقلته الأرض .
وقوله:{يلمزك في الصدقات} من اللمز ،وهو العيب .وأصله الإشارة بالعين ،ونحوها .ورجل لمزة ؛أي عياب{[1805]} .
قوله:{فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون}{يسخطون} من السخط ،وهو الغضب .تقول: أسخطه فسخط ؛أي أغضبته فغضب{[1806]} ،والمعنى: أن هؤلاء المنافقين الذين يعيبونك في قسم أموال الزكاة ،ويطعنون عليك فيها لم يكن مرادهم الرغبة في العدل أو في الدين ؛بل كان مبتغاهم الاستكثار من النصيب ؛فإن أنت أعطيتهم منها ما يرضيهم رضوا ،وإن أنت لم تعطهم منها سخطوا عليك وعابوك{[1807]} .