{طَرَفَىِ النَّهَارِ}: الغدوة والعشية ،والمراد من الطرف الأول: الصبح ،والطرف الثاني: الظهر والعصر .
{وَزُلَفاً}: الزلف من الليل: الساعات الأولى منه ،وواحدها زلفة ،وسميت بذلك لقربها من النهار ،والمراد بها هنا: المغرب والعشاء .
إن الحسنات يذهبن السيئات
{وَأَقِمِ الصَّلاة} كمظهر من مظاهر العبودية لله التي تؤكد مسؤولية الإنسان في أعماله ومواقفه ،وبذلك كانت الدعوة إليها تتعدى كونها فريضة إسلاميةً في الجانب العباديّ الحاضر المحدود في نطاقه ،إلى البعد الروحي الواسع الذي ينطلق بالإنسان نحو أهداف أخرى يسعى إليها في الحياة كإنسان مسلم ملتزم ،يختزن الطاقة الروحية التي تعينه على تحمل أعباء المسؤوليات ،ولهذا كانت هذه الفريضة ،تكليفاً يشمل كل جوانب الحياة اليومية في الليل والنهار ،وكانت الدعوة إلى إقامتها ،{طَرَفَىِ النَّهَارِ} في أوّله ووسطه حتى النهاية ،{وَزُلَفاً مِّنَ الَّيْلِ} وهي الساعات الأولى منه القريبة من النهار ،وذلك ما يحقق للإنسان الاستقامة على الخط المستقيم ،ويفتح حياته للحسنات على صراط التوبة ،وفي حركة الطاعة ،وهذا ما جعله الله أساساً لتصحيح الموقف ،ولإنقاذ المصير ،فإن الحسنة تمحو السيئة ،في ما تختزنه من معنى التوبة والإخلاص لله في داخلها ،وفي ما تمثله من موقفٍ عمليّ حاسم ،{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} .
الصلاة سر النجاة
وقد ورد في بعض الأحاديث أن المراد بالحسنات هو الصلوات التي يصليها الإنسان ،فإنها تذهب السيئات التي قبلها ،وبهذا اعتبرت هذه الآية أرجى آية ،وأكثرها مجلبة للأمل بمغفرة الله ،وربما كان ذلك من باب التفسير بالمصداق على سبيل التطبيق .وربما كان خاضعاً لشروط داخلية وخارجية في طبيعة العمل الصلاتي لدى المؤمن{ذلِكَ ذِكْرَى لِلذَكِرِينَ}ليتعرفوامن خلالهسر النجاة ،وليتذكروادائماًأن الارتباط بالله ،والشعور بحضوره الدائم في وعي المؤمن ،وحركة حياته ،هو الأساس للحصول على رضاه ،والانضباط في خط طاعته .
وإذا كانت الصلاة تحقق للإنسان هذا الوعي العميق الممتد بذكر الله ،فإن السير في هذا الاتجاه قد يكلِّف الكثير من الالام والتضحيات والخسائر ،مما يخلق الحاجة الملحّة إلى الإرادة القوية القادرة على مواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية ،ولا بد من طاقة داخلية روحية ،تملك على الإنسان موقفه ،فلا ينهار ،وتحفظ له خطواته فلا تهتز ولا تنحرف ،وهي طاقة الصبر الذي يمنع الإنسان من أن يصرخ من الألم ،أو يتلوّى من الجراح ،أو يسقط أمام الخطر ،وهذا ما أراد الله لنا أن نواجهه في الساحة ،فلا نكتفي بالصلاة على أهميتها الحيوية والعبادية والروحية ،بل لا بد من تكاملها مع الصبر موقفاً وحركةً ومنهج حياة ،